بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وكل عام وأنتم جميعاً بألف خير ، ونحييكم بتحية العيد في هذه الحلقة الخاصة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
ويسعدنا أن نكون مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين .
أهلاً وسهلاً ، وكل عالم وأنتم يخير .
أهلاً بكم أستاذ علاء وأنتم بخير .
المذيع :
الأستاذ الدكتور محمد راتب ، نحن في اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى المبارك ، أعاد الله هذا العيد علينا جميعاً ، وعلى أمتنا ، وشعبنا ، وقائدنا بألف خير ، وباليمن ، واليسر والبركة .
هذا هو اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى ، وهو بالنسبة لترتيب أيام التشريق فيختلف بالنسبة للحجيج ، الذين يؤدون مناسكهم في الديار المقدسة .
العيد أطل علينا ، عندما ننطق بكلمة عيد مباشرة يخطر للذهن معنى الفرح ، معنى البهجة ، معنى السرور ، معنى كما يقولون : من يستريح أو يكافئ بعد عمل دؤوب طويل ، العيد هو مجال للتزاور ، للنبذ الخلافات ، والشحناء ، والبغضاء ، وأحياناً الحكك الاجتماعي بين الناس يأتي العيد ليصفي هذه الأجواء ، كيف نتلمس معاني العيد ، ولماذا يأتي العيد ؟ بعد ماذا يأتي العيد ؟ ثم لماذا قال عليه الصلاة والسلام :
(( وزينوا أعيادكم بالتكبير ))
[ أخرجه الطبراني عن أنس ]
الدكتور :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعيد الأمين .
ماهية العيد :
أستاذ علاء ، العيد بتعريف جامع مانع عودة إلى الله .
(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلان فقد اصطلح مع الله ))
[ ورد في الأثر ]
والذي أراه أن أعظم إنجاز يكتسبه الإنسان في حياته الدنيا أن يتعرف إلى الله .
(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
[ ورد في الأثر ]
أنا حينما أتعرف إلى الله أملك الحكمة ، أملك الغنى ، أملك الحرية ، والذي أراه أن أعظم إنجاز ، أنا حينما أتعرف إلى الله أملك الحكمة ، أملك الغنى ، أملك الحرية ، أملك السعادة ، أملك أسباب سعادتي في الدنيا والآخرة .
إذاً : يا رب ، ماذا فَقَد من وجدك ، وماذا وجد من فقدك ؟
العيد أستاذ علاء ، عيد الفطر السعيد عقب شهر الصوم ، عيد الأضحى المبارك عقب الحج .
ولكن لي كلمة صغيرة :
لو أن طالباً على مشارف امتحان مصيري ، يتوقف هذا الامتحان في إنجازه ، وتتوقف سبل رزق هذا الشاب ، تعيينه في وظيفته ، وزواجه ، وشراء بيت ، كل آماله العريضة متوقفة على نجاحه في هذا الامتحان ، فإذا بفريق من أصدقائه يأخذونه إلى مكان جميل من أجمل الأمكنة ، وتمتع بأجمل المناظر ، وأطعموه أطيب الطعام ، قبيل الامتحان بأيام ، لماذا يشعر بانقباض ما بعده انقباض ؟ لأن هذه الحركة لا تتناسب مع هدفه ، أنا أتيت بمثل صارخ ، فلو قبع في غرفة قميئة ، وقرأ الكتاب المقرر ، واستوعبه شعر براحة ما بعدها راحة .
إذاً : أنا حينما أقترب من هدفي ، أو حينما أحقق سر وجودي في الأرض ، وغاية وجودي أشعر بفرح .
أنا أقول دائماً : قل لي ما الذي يفرحك أقلْ لك من أنت ، هناك أناس وهم قلة عرفوا سر وجودهم ، وغاية وجودهم ، فإذا ساروا في طريق أهدافهم كانوا من أسعد الناس .
مرة قرأت كلمة في مجلة ، أحياناً تنتهي المقالة في أول الصفحة ، يضعون حكمة ، هذه الكلمة قرأتها من ثلاثين عام تقريباً : " إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين " .
أنا حينما تسمو أهدافي لخدمة الخَلق ، لإدخال الفرح في نفوس الخلق ، للتخفيف من أعباء الناس ، أنا حينما أعيش للناس ، ولا أعيش لذاتي ، أشعر بسعادة ما بعدها سعادة .
بادئ ذي بدء :
(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلان فقد اصطلح مع الله ))
وبشكل واقعي ، أنا حينما أهنئ إنسانا بشراء بيت ، هذا البيت مؤقت ، لا بد من أن يغادره ، كل مكتسبات الدنيا تنتهي بالموت ، وكأن الموت ينهي كل شيء ، ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، وغنى الغني ، وفقر الفقير ، ووسامة الوسيم ، ودمامة الدميم ، وذكاء الذكي ، ومحدودية المحدود ، ينهي كل شيء ، أما إذا عرفت الله فهذه المعرفة تسعد بها إلى الأبد ، وأنا دائماً أوازن بين الحياة الدنيا والأبد .
ضع واحداً في الأرض وأصفارًا إلى الشمس ، وكل ميليمتر صفر ، ما هذا الرقم ؟ 156 مليون كيلومتر ، لو كان هذا الرقم صورة ، والمخرج لا نهاية الأبد قيمته صفر ، فالدنيا صفر .
لذلك الإنجاز الحقيقي ، المكسب الحقيقي ، الفرح الحقيقي ، البِشر الحقيقي ، حينما تصل إلى هدفك ، وهو معرفة الله عز وجل ، وأصل الدين معرفة الله ، فأنا يتراءى لي أن سر فرح الناس بالعيد أنه جاء عقب الصيام .
(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه ]
ويأتي عقب الحج رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، إذاً :
العيد يأتي في إسلامنا العظيم عقب عبادات كبرى ، والإنجاز الذي تحقق عقب هذه العبادة ، هو مضمون فرح العيد ، هذا لا يمنع أن ألتقي بأصدقائي ، وإخواني ، وأقربائي ، جيراني ، وأحبابي ، وأن ألبس الجديد وأن آكل ، أنا أعبر عن فرحي بهذا الإنجاز بهذه المظاهر التي تدخل الفرحة إلى قلوب من حولي .
إذاً :
العيد فرح ، والكلمة الدقيقة قل لي ما يفرحك أقل لك من أنت ، هناك إنسان يفرح بخدمة الخلق ، هناك إنسان يعيش للناس ، هناك إنسان إذا رسم بسمة على وجه طفل صغير يفرح أشد الفرح ، إذا وفق بين زوجين يفرح أشد الفرح ، إذا زوج شاباً طهراً نقياً بشابة طاهرة نقية ، يفرح أشد الفرح .
حينما أخرج من ذاتي ، وأحقق وجودي لخدمة الخلق ، أنا عندئذٍ أشعر أنني وجدت نفسي ، ذلك لأن فطرة الإنسان متوافقة توافقاً مذهلاً مع منهج الله عز وجل ، فكل شيء أمرك الله به ينعكس عندك راحة نفسية ، والدليل :
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
[ سورة الحجرات الآية : 7 ]
الإنسان الشارد التائه الضال يمتع حواسه بمتع حسية زائلة , لكن تعقبها كآبة لا يحملها ، يكاد يكون المرض الأول في العالم الكآبة ، النفس تعاقب نفسها ، هي عقاب ذاتي الجلب الذاتي ، الشعور بالنقص ، تأنيب الذات ، الشعور بالصغار .
أستاذ علاء ، تقدير الذات أحد أسباب السعادة ، أنت حينما تكون صادقاً ، ومستقيماً وذا خير عميم ، وكل من حولك يحبك ، ويثني عليك ، أنت حينما تشعر أنك مصدر سعادة للناس ، مصدر إيناس ، مصدر أمن لهم .
أنا أذكر أن المؤمن حينما يموت يستريح من عناء الدنيا ، ولكن الطغاة حينما يموتون تستريح منهم البلاد والعباد والشجر والدواب ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ :
(( مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ قَالَ : الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ))
[ متفق عليه ]
المذيع :
من هنا يأتي قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ ، وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ... ))
[ أخرجه أحمد عن أبي أمامة ]
الدكتور :
الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به :
ما من شيء أمر الله به ونفذته إلا وتشعر براحة ما بعدها راحة ، أريد أن أعقب على هذه الملاحظة بمثل :
عندنا قاعدة في علم الأصول : [ الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ] كيف ؟
إنسان جاهل لا يقرأ ولا يكتب ، عنده مكيف ، فتح المكيف فجاءه هواء بارد ، فاستمتع به ، يأتي إنسان يحمل دكتوراه في التكييف ، ضغط الزر فجاءه هواء بارد ، فالأول لا يفقه شيئا من آلية التكييف أبداً .
فعظمة هذا الدين أنك إذا طبقت أحكامه تقطف ثمارها ، سواء أعرفتَ حكمتها أم لم تعرفها .
الشيء الدقيق في الدين يفهمه كبار العلماء ، وكبار المفكرين والعباقرة ، وإذا طبقه إنسان بسيط جداً يقطف كل ثماره ، فإذا كان صادقاً يحبه الناس ، وإذا كان نظيفاً يألفه الناس ، وإذا كان رحيماً تكون محبته في قلوب الناس .
إذاً : نحن في العبد نفرح أننا عرفنا الله عز وجل ، وحققنا إنجازين كبيرين ، ونعقد علاقات طيبة مع من معنا ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( إياكم وفساد ذات البين ، إنها الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ، ولكن أقول حالقة الدين ))
[ الترمذي ]
ودائماً وأبداً للإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، فالعقل محل القناعة والإدراك ، والقلب محل الحب ، والجسم محل الطعام والشراب ، يأكل ليتحرك ، فما لم تلبَّ هذه الحاجات الثلاثة معاً فلن تكون السعادة .
حينما يأتي العيد ، دعك من خبراتك ، من اختصاصك ، من شهاداتك ، من قناعاتك ، من تحليلاتك الدقيقة ، أنت في العيد إنسان حولك زوجة وأولاد ، وأقارب فالابتسامة ، والكلمة الطيبة صدقة ، والزيارة جبر لكسر هؤلاء الأقارب الضعاف الفقراء أحياناً ، فالعيد أعمال صالحة .
المذيع :
الآن سيدي سوف نفسح المجال لهذا الموضوع ، نأتي إلى مسألة ما معنى التكبير في العيد .
(( وزينوا أعيادكم بالتكبير ))
الدكتور :
مصداقية الكلمة :
لا بد من مقدمة ، الكلمة في اللغة إذا كثر استعمالها مع مضي الزمن تفقد مدلولها ، قد لا يؤمن الإنسان بالله ، نسأله : كيف حالك ؟ يقول لك : الحمد لله ، هذه استخدمت بشكل كثير ففقدت معناها ، أنا أقول : الله أكبر ، هذه أخطر كلمة في الدين ، وحينما أطيع مخلوقاً ، وأعصي خالقاً ، وأقول : الله أكبر ، ألف مرة ما قلتها ولا مرة ، لأنني توهمت أن طاعة هذا المخلوق أكبر من طاعة الله .
حينما يغش الإنسان المسلمين ، أو يغش الناس في البيع والشراء ، ويقول يوم العيد : الله أكبر ، فما قالها ولا مرة ، ولو رددها بلسانه ألف مرة ، لأنه رأى أن هذا الربح الزائد من غش الناس هو الأكبر من الله عز وجل ، هذه حقيقة مُرّة أنا أرى أنها أفضل ألف مَرة من الوهم المريح .
اعلم ما تقول ، قال : والله أني لأحبك ، إنسان قال هذا للنبي الكريم ، قال له : انظر ما تقول ، قال : والله إني لأحبك ، قال له : انظر ما تقول ، قال : والله إني لأحبك ، قال له : إذا كنت صادقاً فيما تقول للفقر أقرب إليك من شرك نعليك .
أنت معك مال ، وحولك فقراء ؟ إذا كنت تحب الله فعلاً يجب أن تنفق من هذا المال ، أما أن تبقى بالمشاعر المجردة من دون عمل ، من دون حركة الله عز وجل فقد قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾
[ سورة الأنفال الآية : 72 ]
فما لم تتحرك ، ما لم تصل لله ، ما لم تقطع لله ، ما لم تعطِ لله ، ما لم تمنع لله ، ما لم يكن ولاءك للمؤمنين ، ما لم تكن براءتك لغيرهم ، ما لم تأخذ موقف ، ما لم تلتزم فكيف يكون الإيمان مجسداً .
نحن في الإسلام ليس عندنا إعجاب سلبي ، وهناك حالة عند الناس أنه معجب بالإسلام ، معجب بهذا الدين ، معجب بالقرآن ، لكن إذا دخلت بيته أو إلى عمله لا تجد أحكام الإسلام مطبقة ، هذا اسمه إعجاب سلبي ، لا يقدم ولا يؤخر .
حينما أدرك أن هذا المرض الجلدي شفاءه الوحيد التعرض لأشعة الشمس ، فمهما تحدثت عن الشمس ، وعن عظمتها ، وعن شفائها لهذا المرض ، وأنا قامع في غرفة قميئة ومظلمة ، هذا الكلام ما له معنى إطلاقاً .
لئلا يصبح الإنسان ظاهرة صوتية لا معنى لها ، أنا أريد يكون في مقابل هذا قناعات ، وسلوك حركي ، فكلمة الله أكبر حينما يؤذن المؤذن ، وتقوم إلى الصلاة يعني أن تلبية نداء المؤذن أكبر عندك من كل شيء ، وحينما أتعرض لصراع بين أن أعصي الله وأربح مبلغاً كبيراً ، وبين أن أستقيم على أمره ، ويكون الدخل معقولاً ، وأوثر الدخل القليل مع طاعة الله على الربح الكثير ، وأقول : الله أكبر ، أنا فعلاً تمثلت هذه الكلمة ، أنا رأيت أن طاعة الله أكبر عندي من كل دخل كبير .
فالقضية خطيرة ، لئلا تفقد كلمات المسلمين الكبرى مضمونها ، وتصبح جوفاء ، وتكون في الدرجة الدنيا ، ولئلا نفقد أسباب تولي الله لنا ، كنت أقول دائماً : حينما تطبق أمر الله يحق لك أن تطالب الله بحقك ، كيف هذا الكلام ؟
النبي الكريم كان أحد أصحابه وراءه فقال :
(( يا معاذ ، أتدري ما حق الله على عباده ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال حقه عليهم أن يعبدوه ))
وأنا أعني القسم الثاني ، فلما سأله :
(( ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ـ سأله ثانية ، وثالثة فالرابعة قال له ـ قال : حقهم عليه أن لا يعذبهم ))
[ البخاري عن معاذ ]
يجب أن تستفيد من حق أنشأه الله على ذاته العلية ، الذين قالوا :
﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
فأجابهم الله عز وجل :
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
[ سورة المائدة الآية : 18 ]
والإمام الشافعي استنبط أن الله لا يعذب أحبابه ، فكيف تشعر إذا كان خالق الكون معك ، يدافع عنك ، ويحبك .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
[ سورة مريم ]
إذا كانت لك علاقة بإنسان قوي تزهو بهذه العلاقة ، وتبرز الصورة معه ، وعندك هاتفه ، وتقول : إنْ أردتُ حاجة أتصل به ، مع إنسان من بني جلدتك ، وهو يموت ، فكيف إذا كانت لك علاقة مع الواحد الديان ؟.
إذاً : الله أكبر ، كلمة أستاذ علاء كبيرة جداً ، إذا فهمنا معناها ، إذا سمعنا الأذان : الله أكبر ، الآن إذا صلينا الله أكبر ، يجب أن تكون الهموم كلها وراء ظهر الإنسان المصلي ، الآن نحن أمام صراع ،شيء مغرٍ يحقق لي نجاحا كبيرا جداً ،لكن بمعصية ، فإذا قلت : الله أكبر ، أنا أؤثر طاعة الله على هذا الشيء ، لذلك :
(( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهم ))
[ متفق عليه ]
لو سألت أستاذ علاء مليارا و300 مليون مسلم : ألا تحبون الله أكثر من أي شيء ؟ لم يتردد أحد في ذلك ، ليس هذا هو المعنى ، المعنى أن يكون الله في قرآنه ، والنبي في سنته عندما يتعارض أمامك شيئان ، أحدهما يرضي الله ، والثاني يضر بمصلحتك ، وتؤثر طاعة الله ، الآن يمنحك الله حلاوة الإيمان ، حلاوة الإيمان شيء نفيس جداً ، أن يكون الله في قرآنه والنبي في سنته أحب إليك من أي مكسب مادي إذا بني على معصية الله .
مفهوم التقوى :
وهذا يؤدي بنا إلى مفهوم التقوى ؟ نعم هذه التقوى ، أنا أؤمن بصحةِ قول :
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيف ))
[ رواه مسلم عن أبي هريرة ]
ذلك أن القوي متاح له من الأعمال الصالحة التي هي علة وجوده ، ما لم يتح للضعيف ، إذاً ـ الآن دقق ـ ينبغي أن أكون قوياً إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ، وينبغي أن أكون غنياً إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ، لأن القوة والغنى تتيحان أن أعمل أعمالاً لا يستطيع الضعيف ولا الفقير .
ولكن إذا كان طريق القوة على حساب طاعة الله فالضعف وسامة شرف ، وإذا كمان طريق الغنى على حساب طاعة الله فالفقر وسام شرف لي .
أنا أقول إذاً : هناك فقر الكسل ، هذا الفقر المذموم ، وهناك فقر القدر ، لكن فقر الطاعة ، أنا أحياناً لتشبثي بقيمة أخلاقية ، لتشبثي بمبدأ عظيم قد أخسر بعض المكاسب التي يحصلها المنافقون ، أنا ضعفي وقلة ذات يدي هي وسام شرف بالنسبة لي .
المذيع :
وهذا ما يرفع الإنسان المؤمن في هذا الموضع ، سيدي الكريم نعود إلى مفهوم العيد ، والمظاهر نعاينها في العيد ، وهي مظاهر حسنة ، وحالة صحية في الحقيقة ، تزاور ، تبادل الزيارات ، صلة الأرحام ، أحياناً هنالك أناس يستغلون مواسم العيد لإصلاح ذات البين بين الناس ، فتكون مناسبة لكسر الجمود ، أو لقضية حدثتْ بين أشخاص ، فيأتي العيد مناسبة لاختراق هذا الجدار من سوء ذات البين ، ماذا عن هذه المعلومة ؟
الدكتور :
أولاً : العيد مناسبة لإصلاح ذات البين :
يقول عليه الصلاة والسلام في حديث أن أصفه أنه يقسم الظهر يقول :
(( إياكم وفساد ذات البين ، إنها الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ، ولكن أقول حالقة الدين ))
[ الترمذي ]
أكبر مرض يصيب المجتمع فساد ذات البين ، الخصومات .
أستاذ علاء ، هناك آية اسمح لي أن أقول لك : إنها تنطبق على الزوجين ، وعلى الأخوين ، وعلى الجارين ، وعلى الشريكين ، وعلى الأسرتين ، وعلى الحيين ، وعلى القبيلتين ، وعلى الشعبين ، وعلى الأمتين ، وعلى الحضارتين ، من فردين إلى حضارتين :
﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
[ سورة المائدة الآية : 14 ]
حينما يعصي الإنسان الله ، حينما يتجاوز حدوده ، حينما يأخذ ما ليس له ، حينما يعتدي على أعراض الآخرين تنشأ العداوات والبغضاء بشكل لا يوصف .
لذلك فساد ذات البين سببه المعصية ، وصلاح ذات البين سببها الطاعة ، أنا حينما أستقيم على أمر الله ، وتستقيم أنت يكون اللقاء والود والمحبة حتميًا :
﴿ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
إذاً :
العيد مناسبة لإصلاح ذات البين ، المناسبة الأولى في العام كله لإصلاح ذات البين ، تبدأ بزيارة ، تبدأ ببطاقة ، تبدأ بهدية ، تبدأ باتصال هاتفي ، تبدأ بدعوة إلى طعام ، فتزول الأحقاد ، النبي الكريم علمنا أن الهدية تذهب بوحر الصدر ، ففي الخصومة مع شخص من أقربائي أقدم له هدية ، أبادله الزيارة ، أو أبدأه بالزيارة ، فهذا الألم قد يختفي ، وقد يحل محله السرور .
إذاً :
العيد مناسبة لإلغاء فساد ذات البين ، ولكن عند بعض العلماء فساد ذات البين ثلاث مستويات ، أما مهمتي .
الأولى :
أن أصلح علاقتي مع ربي ، صلاح ذات البين مع الذي خلقك وأوجدك إذا العلاقة صلحت مع الله تصلح مع الخلق .
ثانياً :
صلاح العلاقة مع الخلق .
ثالثاً :
أنا مهمتي أن أصلح أي علاقة فاسدة بين اثنين .
أنا في المستوى الأول طرف ، في المستوى الثاني طرف ، أما في الثالث وسيط فحينما قال الله عز وجل :
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ﴾
[ سورة الأنفال الآية : 1 ]
أي أصلح علاقتك مع الله ، ثم علاقتك مع الخلق ، ثم أصلح أية علاقة فاسدة بين اثنين ، هذا يكون في العيد ، والعيد مناسبة كبيرة جداً .
المذيع :
الحديث الذي يجب أن يدور في مجتمعات العيد ، أن يركز في شكل أساسي على هذه المسائل ؟
الدكتور :
ثانياً : العيد مناسبة لوصل الأرحام :
لقد ألِف الناس أن يفهموا صلة الرحم موضوع زيارة فقط ، زيارة لدقائق ، والغني مستكبر ، مستعلٍ ، والفقير متطامن ، لا ، الزيارة يجب أن تكون مستمرة ، العيد مناسبة للزيارة ، وتفقُّد ذوي الأرحام من أعظم العبادات ، لأنه هو التضامن الاجتماعي ، و أساسه عندنا في الإسلام جغرافي ونسبي ، الله عز وجل أوصى بالجار من خلال سنة النبي الكريم ، وأوصى بصلة الرحام ، حتى إذا أعطيت قريباً لك محتاجا صدقة فلك أجران ، أجر الصدقة ، وأجر الصلة ، لذلك حينما أزور أقربائي بالعيد ، هناك اتصال هاتفي ، وزيارة ، وتفقد أحوال ، لهم أحوال معيشية متدنية مثلاً ، عندهم مشكلة بين الأولاد ، بين الأولاد والأب ، مشكلة بين الزوج والزوجة ، يتفقد الأحوال المعاشية ، الأحوال الاقتصادية ، الأحوال العلمية ، يحتاج إلى دورة ، لا يملك أقساط هذه الدورة ، والزائر ميسور الحال ، يقول : لا أنت ابني ، ابن أخي ابني ، هذه هدية مني لك ، فهناك تفقُّد أحوال معيشية تفقد أحوال اجتماعية ، أحوال علمية .
الآن يأتي الدور الأساسي ، خذ بيدهم إلى الله ، أعطهم كتاباً ، دلهم على الله ، دلهم على مبحث ، على برنامج ، أو على شريط ، قربهم من الله عز وجل ، أنا أقول : صلة الرحم تبدأ باتصال هاتفي ، ثم بزيارة ، ثم بتفقد ، ثم بمساعدة ، ثم أن تهديهم إلى الله عز وجل ، هذه الصلة التي أرادها الله ، وهي نوع من التضامن الاجتماعي .
الشيء المضحك أن الإنسان عنده قائمة طويلة ، ومعه بطاقات ، مهمته أن يضع البطاقات في البيوت ، ويسأل الله ألا يجده ، فإذا وجده وقع في مشكلة ، هو يريد أن يقدم البطاقات لرفع العتب فقط .
أنا أتمنى على الإخوة المشاهدين بدل تراشق الزيارات غير المجدية أن يجلسوا في إحدى الليالي مع بعضهم ساعتين أو ثلاثًا ، أفضل بكثير ، أن نلتقي ونتحدث ونتشاور في أمورنا ، نتحدث عن بعض مكتسباتنا .
المذيع :
لا يسعني إلا أن أشكر أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين على ما بسط من معانٍ عن العيد وفي العيد ، وفي طيف العيد ، ولماذا كان العيد .
نتمنى فعلاً أن نتمثل هذه المعاني ليكون عيدنا عيداً حقيقياً ، كل عام وأنتم بخير ، وشكراً أستاذنا الدكتور ، وشكراً للسادة المشاهدين إلى اللقاء إن شاء الله في الحلقات القادمة من هذا البرنامج ، كل عام وأنتم بخير .
والحمد لله رب العالمين