بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما معنى من ستر مسلماً؟ :
أيها الأخوة الكرام, الخلق اليوم الستر، فالستر على المسلم تغطية عيوبه وإخفاء هناته، أخطائه، ومعنى من ستر مسلماً؛ أي رآه على قبيح فلم يظهره للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار، فالإنكار عليه فيما بينهما شيء، وفيما تستره عن الناس شيء آخر، لا يعني الستر ألا تنصحه، وألا تنكر عليه فيما بينك وبينه، هذا شيء، وذاك شيء آخر، والستر محله المعصية، أي إذا رأيته على عمل طيب، وذكرته للناس, فهذا لا علاقة له بالناس، الستر على معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبّس بها فيجب عليه الإنكار، الإنكار شيء, والستر شيء آخر.
ما المراد بالستر؟ :
المراد بالستر: الستر على ذوي الهيئات ونحوهم, ممن ليس معروفاً بالأذى والفساد.
إنسان غلب عليه الصلاح والتستر، هو لا يريد أن يبهر أخطاءه، يستحي بأخطائه فيسترها، ويغلب عليه الصلاح، ما عرف بعقيدة زائغة، ولا بسلوك شائن، لكن وقعت منه هفوة، هذا يجب أن تستره، أما المعروف بهذه المعاصي والآثام ويذكرها، ولا يستحيي بها, فهذا له شأن آخر، هذا ينبغي ألا تستره، لأنك إن سترته, غششت به المسلمين، وإنك إن سترته, جعلته يتمادى في المعصية والإثم، أيضاً المجاهر بالمعصية، هذا ليس محل, هذا الدرس.
الستر والإنكار؟ :
الستر شيء، والإنكار على المخطئ والنصح والأمر بالمعروف شيء آخر، أما جرح الرواة، راو كذاب فينبغي أن أفضحه، قضية دين:
إن هذا العلم دين, فانظروا عمن تأخذون دينكم.
والشهود شاهد زور, ينبغي أن أفضحه، وأطعن بشهادته، أمين على صندوق وجدته في حركة مالية غير مقبولة يجب أن أفضحه، لأن هذه الأموال أموال المسلمين، قضية راوٍ، قضية شاهد، وأمين صندوق، وأمين على وقف، أمّ على مال أيتام, فلا يحل الستر عليه، إذا رأى منهم ما يقدح في أهليته، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة.
إنسان في مسجد يفعل شيئاً منكراً، يثير فتنة، أخي أنا لا أريد أن أغتابه، من قال لك هذا؟ إذا وجد خطأ في العقيدة، ويروجها، أو يفسد العلاقات بين الأخوة، أو يستخدم كلمات لا تليق بالمؤمن، هذا لا ينبغي أن تستره.
هل يوجد فرق بين المصدر والاسم؟ :
بالمناسبة: الستر مصدر، والستر اسم، كيف أنا أمسك بورقة أنا أفعل هكذا، هذه العملية في الورقة اسمها: شَق، أما هذه الثلمة اسمها: شِق، فالفرق بين المصدر والاسم دقيق جداً.
السُحور غير السَحور، والغُسل غير الغَسل، والشِِق غير الشَق، والسِتر غير السَتر، السَتر مصدر، عملية إخفاء العيوب سَتر، أما هذا الذنب الذي خفي عن الناس فسِتر.
من معاني الستر :
أيها الأخوة:
﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾
[سورة فصلت الآية: 22]
فاتني في التعريف اللغوي: أن من معاني السَتر أن تستر نفسك، لا أن تفضح نفسك، ليس في ديننا ما يسمى بالاعتراف، الله عز وجل سَترك, ينبغي أن تستر نفسك، السَتر شيء والإنكار شيء، والواجب أن تستُر أخطاءك.
ما قاله الصديق :
ومن أدق ما قاله الصديق -رضي الله عنه-: اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
أستمع أحياناً لمشكلات بين الزوجين كبيرة جداً، سببها: أنها أرادت أن تصالحه فيما كان منها قبل الزواج فكرهها، أو هو أراد أن يصالحها ما كان له من مغامرات، منتهى الحمق أن تفعل فعلاً شائناً وأن يسترك الله، ثم تفضح نفسك.
من الحمق الشديد :
أخواننا الكرام, الإنسان لا يغفر.
حدثني أخ داعية, أحد أخوانه قال له: أنا زنيت، أقسم بالله! عشرون عامًا مض على هذا الخبر، كلما رآه تذكر أنه زنا.
من الحمق الشديد والخطأ الفادح أنك إذا اقترفت معصية, ولحكمة بالغةٍ بالغة لم يفضحك الله عز وجل، الله عز وجل يفضح، لكن بعد الإصرار والتبجح، وبعد الافتخار بالمعصية يفضح، أما إنسان أخطأ, ذاب خجلاً من الله عز وجل, يستره الله، لا ينبغي أن يفضح نفسه، بشكل عام مجتمع المسلمين مجتمع ستير، ومجتمع الكافرين مجتمع فضّاح.
هذا هو مجتمع أمريكا :
حدثني أخ -تعرفونه جميعاً, رئيس الجالية في أمريكا-: لما كلينتون فضح في قضية مونيكا, انتشر له في الإنترنت ألفين وثمانمائة صفحة بتفاصيل علاقته مع هذه المرأة، فضائح, حتى قيل: أن المجتمع الأمريكي مجتمع فضائحي، يتلذذون بالفضائح!!! فلما جمع رجال الدين ليعتذر أمامهم، وكان من بينهم الأستاذ بسام، فقال له: نحن في الإسلام لا نريد أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، أقسم بالله أن دمعة نزلت من عينيه، لأنه فضح فضيحة ما بعدها فضيحة.
مجتمع المسلمين مجتمع ستير، السَتر من صفات المؤمنين.
أنا لا أقول: افعلوا ما تشاؤون، لكن لو أن واحدًا -لا سمح الله ولا قدر- زلت قدمه وأخطأ, ينبغي أن نستره.
من خلق المؤمن :
حدثني رجل عن عالم جليل كان قاضياً في دمشق، جاءته امرأتان، واحدة بينهما ذات وزن ثقيل، وثمة درجة قبل أن تصل إليه, دون أن تشعر صدر صوت مزعج من هذه المرأة، صوت قبيح، ذابت من الخجل أمام القاضي، فلما ذهبت إليه قال: ما اسمك يا أختي؟ ذكرت له اسمها، قال: لم أسمع، ارفعي صوتك، قال: لم أسمع ارفعيه أكثر، فقالت لأختها: الحمد لله لم يسمعنا.
هو سمعها، لكنه أراد أن يستر حالها، ليس هناك خلق أكرم من الستر.
قف عند هذا القول :
أقول لكم: الإنسان لئيم، لا يغفر، لكن الله كريم، يغفر، فأنا لا أريد من واحد أن يحدث الناس بأخطائه، إياكم أن تفهموا أنه لك أن تخطئ والأمر مغطى، حينما تخطئ وتعتمد على ستر المؤمنين يفضحك الله، أما حينما تخطئ وتستغفر، وتندم أشد الندم فالله يسترك.
قصة لا يمكن أن تنسى :
لا أنسى القصة التي سمعتها مرة، وأرددها كثيراً: أن هذا الذي رأى امرأته وهي في الشهر الخامس بعد العرس, قد بلغ الحمل أوجه، فعرف أن هذا الحمل ليس منه، وأنها أخطأت ، إلى هنا له جار خطيب مسجد في أحد أحياء دمشق, رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول له: قل لفلان: إنه رفيقي في الجنة، فهذا الخطيب والإمام تأثر أن هذه البشرى ليست له، لجار يعمل في التجارة، طرق بابه، وقال له: لك عندي بشارة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أخبرني ماذا فعلت مع الله حتى استحققت هذه البشارة؟ .
طبعاً ضيق عليه، وأحرجه حتى أخبره, قال: تزوجت امرأة، وفي الشهر الخامس بدا لي أنها حامل في الشهر التاسع، والحمل ليس مني، قال: بإمكاني أن أفضحها، وأطلقها، وأسحقها, و.... فآثرت أن أسترها، وجئت بولادة فولدت، وحملت الغلام تحت العباءة، وانتظرت حتى كبر الإمام لصلاة الفجر، ولما انتهت الصلاة بكى الغلام، فاجتمع الناس حوله، فجئتهم، وكأني لا أعلم شيئًا، قلت لهم: ما الخبر؟ قال: تعال انظر غلام! قال: أنا أكفله، أعطوني إياه، فأخذه أمام أهل الحي على أنه لقيط، وتكفل به، وأعاده إلى أمه ليربى في حجرها، فاستحق بهذا هذه البشارة من رسول الله.
ليس البطولة أن تضبط مخالفة، بل أن تستر، وأن تأخذ بيد هذا العاصي إلى الله عز وجل، البطولة أن تعينه على الشيطان، لا أن تعين الشيطان عليه، الستر خلق، لا أبالغ أن معظم المؤمنين لا يعرفون هذا الخلق أبداً، قصة ممتعة تروج كالنار في الهشيم، وهو مرتاح، مؤمن صائم، مصل، أنت فضاح، لست مؤمنًا، الستر خلق من خلق المؤمنين.
مد يد البيعة لرسول الله :
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رَضِي اللَّه عَنْه-, وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا, وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:
((بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا, وَلَا تَسْرِقُوا, وَلَا تَزْنُوا, وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ, وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ, وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ, فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ, وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا, فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ, وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ, فَهُوَ إِلَى اللَّهِ؛ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
لما يستر الله عز وجل عبد لحكمة بالغة, إياك أن تخرق ستر الله عز وجل.
من أحداث يوم القيامة :
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ:
((بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ -رَضِي اللَّه عَنْهمَا- آخِذٌ بِيَدِهِ, إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ, فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ, حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ, وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ, قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا, وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ, فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ, وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ؟))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
الله عز وجل يوم القيامة يقرر عبده بذنوبه، ويقول: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم.
طائفة من الأحاديث وردت بشأن الستر :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ, وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا, ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ, فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا, وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ, وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
وفي حديث آخر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا, إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
وفي حديث ثالث: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ, أَنَّ عَبْد َاللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِي اللَّه عَنْهمَا- أَخْبَرَهُ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ, وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ, وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
قصة :
قصة: إنسان توفي -رحمه الله, كان صديقاً لي من لبنان-، كان مرة في مركبته في بيروت، فصدمه إنسان من سوريا، يركب سيارته، ومعه نساء محجبات، قال لي: والله كره علي أن أزعجه، جاء إلى نزهة، ومعه نساء محجبات، فعفوت عنه، بعد سنتين كان في الشام، وصدم سيارة، وصاحبها يبدو أنه سفيه, قال: اذهب أنا أسامحك!.
أنا رأيت دمعة تنحدر على خده, سألته: لماذا؟ هو إنسان ميسور الحال, لم يذكر لي أنه لم يدفع مبلغاً يسيراً، قال: والله أردت ألا أزعج هذا الإنسان المسلم قبل سنتين، فجاء من يكافئني بعمل مثله تماماً.
أنت إذا سترت الله يسترك، وإذا عفوت الله يعفو عنك.
ما وراء هذا الحديث :
عَنْ مَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ, يُقَالُ لَهُ كَثِيرٌ, قَالَ:
((لَقِيتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ, فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ لَنَا جِيرَانًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ, قَالَ: دَعْهُمْ ثُمَّ جَاءَهُ, فَقَالَ: أَلَا أَدْعُو عَلَيْهِمُ الشُّرَطُ؟ فَقَالَ عُقْبَةُ: وَيْحَكَ دَعْهُمْ, فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: منْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا, كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا))
[أخرجه الإمام أحمد في مسنده]
ما الحكم الشرعي الذي نستخرجه من هذا الحديث؟ :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ, وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا, فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ, فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ, قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا, فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ, فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا دَعَاهُ وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَقِمِ الصـَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيـْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
لما سيدنا عمر أنكر عليه سكت النبي، بمعنى أنه أقر على إنكاره، لمَ فضحت نفسك؟ فالنبي وجَّهه، افعل حسنة تمحُ بها هذه السيئة، فقال الرجل: يا رسول الله هذه له خاصة؟ قال: لا بل للناس كافة، من يفعل سيئة فليتبعها بحسنة، الحسنة تمحو السيئة، ولا تفضح نفسك.
أنا أشدد على أن مئات القصص وصلت إلي عن خلافات زوجية طاحنة في معظمها انتهت إلى الطلاق، لأن الفتاة الحمقاء قالت له: كنت أحب شاباً قبلك، هذا كلام فارغ، تزوجتِ وقبلك, أحبك، وأنت في موضع كبير عنده، والله سترك، فاستر نفسك، وأحياناً هو يتكلم عن علاقاته قبل الزواج, فيسقط من عينها، هي حينما تزوجته, ظنت أنه شاب طاهر عفيف نقي، فما وجدت أحمق ممن يخرق ستر الله له، ويفضح نفسه.
نقطة دقيقة :
ومرة ثانية: نحن ليس في ديننا ما يسمى بالاعتراف، الغفور هو الله، استغفر الله فيما بينك وبينه، وتب توبة نصوحاً، أنت لا سمح الله ولا قدر, لست مكلفاً كمسلم أن تبلغ الحاكم، طبعاً إذا كان الحاكم يقيم أمر الله عن ذنب يوجب حداً، وليس المسلم مكلفاً أن ينقل ذنباً يوجب حداً للحاكم، لا المذنب مكلف حاكم, ولا إنسان آخر مكلف، لكن الحاكم إذا كلف إنسانًا أن يضبط الأمور، هذا الإنسان إذا وقع على معصية وكتمها: يقول عليه الصلاة والسلام له: لا عفا الله عنه إن عفا.
حينما يرفع على ولي أمر المسلمين ذنب يوجب حداً حاكم, فإذا عفا عنه يقول عليه الصلاة والسلام له: لا عفا الله عنه إن عفا.
لا يوجد خيار, لكن الله عز وجل لا يوصل هذا الذنب الذي يوجب حداً إلى ولي أمر المسلمين, إلا عندما تقتضي حكمة الله أن يفضح، أما ما دام الله قد سترك استر نفسك، لا المذنب مكلف أن يقول: أنا اقترفت ذنباً يوجب حداً حاكم, فأقيموا علي الحد، ولا إنسان عادي مسلم ليس مكلفاً من قبل الحاكم أن يضبط الأمور، أما إذا كلف أن يضبط حاكم ولم يرفع الأمر إلى الولي, فقد ارتكب إثماً كبيراً، والولي إذا عفا, لا عفا الله عنه، هذا هو التشريع.
هل يجوز للعبد أن يفضح نفسه؟ :
عَن أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
((بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ, وَنَحْنُ قُعُودٌ مَعَهُ, إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ, فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, ثُمَّ أَعَادَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ, فَسَكَتَ عَنْهُ, وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ, فَلَمَّا انْصَرَفَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَاتَّبَعَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ انْصَرَفَ, وَاتَّبَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْظُرُ مَا يَرُدُّ عَلَى الرَّجُلِ, فَلَحِقَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ, قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ: أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ أَوْ قَالَ: ذَنْبَكَ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
ما دمت توضأت، وصليت، وجئت المسجد تائباً، ولم يفضحك الله عز وجل, فستر الله لك, ينبغي أن تشكره عليه، وتقدسه، وألا تفضح نفسك.
هل يجوز للمرأة البوح بصفات امرأة لا تحل لزوجها؟ :
عادة شائعة في المسلمات: عَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِي اللَّه عَنْه- قَالَ:
((قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
حضرت عرسًا، ما شاء الله على هذا الجمال! هذا حمق، تنقلين صفات العروس لزوجك ؟! هو رجل يتمناها لنفسه، وينصرف عنك، ويتمنى أن يراها في المستقبل، هذا حمق كبير.
عَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِي اللَّه عَنْهم- قَالَ:
((قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا))
هذا محرم، وجهوا نساءكم أنه لا يجوز أن تبوح المرأة بصفات امرأة أخرى أجنبية لا تحل لزوجها.
متى يفضح الله العبد في عقر داره؟ :
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ:
((قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ, وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ, لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ, وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ, فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ, يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ))
[أخرجه أبو داود في سننه]
يوجد شخص فضائحي قناص، لقط قصة نشرها، هذا الإنسان كيف يعاقب؟ يفضحه الله في عقر داره، تنشأ في بيته مشكلة كبيرة، وتسري في داره وبين الناس! كل إنسان يتتبع عورات المسلمين, يفضحه الله في عقر داره.
رحمة الصديق بالناس :
الصديق -رضي الله عنه- يقول: لو أخذت سارقاً لأحببت أن يستره الله، ولو أخذت شارباً لأحببت أن يستره الله.
من شدة رحمته على الناس، هو يعاقب السارق وشارب الخمر، لكن كان يتمنى أن يستره الله عز وجل.
امرأة قالت لعائشة: يا أم المؤمنين, إن كرياً -صاحب دابة- استأجرتها منه, أخذ بساقي وأنا محرمة, فقالت: حِجراً حجراً حِجراً أعرضت عنها -ستراً سِتراً: استري نفسك-, وأعرضت في وجهها، وقالت لكتفها الذي لمسته بكفها وقالت: يا نساء المؤمنين, إذا أذنبت إحداكن ذنباً فلا تخبرن به الناس، ولتستغفرن الله، ولتتب إليه, فإن العباد يعيرون، ولا يغفرون، والله تعالى يغفر ولا يعير.
الأمور واضحة تماماً!.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا, كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةًْ))
[أخرجه أبو داود في سننه]
إياك أن تتكلم عن شيء بدر منك وقد ستره الله عليك :
والحسن البصري يقول: من كان بينه وبين أخيه ستر فلا يكشفه.
إنسان ارتكب ذنبًا مرتين، ثم مشى في طريق الإيمان مع إنسان يدعو إلى الله، لكن ليس في المستوى المطلوب، فذكر هذين الذنبين، ثم نشبت بينه وبين هذا الذي سار معه مشكلة فتركه، فجاء هذا الذي يدعو إلى الله، وفضحه بالذنبين السابقين؛ لأهله ولأهل زوجته، فقامت مشكلة، والآن تتفجر.
لا تتكلم عن شيء بدر منك، وقد سترك الله عليه، الفكرة عدتها عشر مرات.
ما ورد عن النبي :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
((قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم-: لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا, فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ...))
[أخرجه الترمذي في سننه]
لا تفضح إنسانًا، انصحه بينك وبينه، لا ترفع الأمر لمن يعمل في الدعوة فتنشأ مشكلة، هذا الإنسان سقط من عيني، كن ستيراً، فمن سمع بفاحشة ثم أفشاها, كان كالذي أبداها!.
لم استقبح عمر هذا العمل؟ :
شرحبيل قال: إنكم نزلتم أرضاً فيها نساء وشراب، فمن أصاب منكم حداً فليأتنا حتى نطهره، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فكتب إليه: لا أم لك، تأمر قوماً ستر الله عليهم أن يهتكوا؟ ستر الله عليهم".
-من أخطأ يأتي ليعترف حتى نطهره بالحد، سيدنا عمر استقبح هذا العمل, فقال له: لا أم لك، لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر الله تعالى-، قيل كيف: كيف يهتك ستر الله تعالى؟ قال: يعمل الرجل الذنب فيستره الله عليه، فيذيعه في الناس.
أيها الأخوة, من أجمل صفات المؤمن: أنه يتخلق بأخلاق الله، الله ستير، والمؤمن يستر.
كيف يعامل التائب؟ :
أخواننا الكرام, موضوع دقيق جداً: نحن في العالم الإسلامي لا نحسن معاملة التائب، يقع إنسان في ذنب، هذا التائب يجب أن تنسيه ذنبه، تعامله كمؤمن طاهر، لكن دائماً نعيره، هذا خلق سيء جداً ويمنع التوبة، لكن ما أجمل مجتمع؟ إنسان أخطأ ثم تاب، هذا الذنب كأنه لم يكن، فالتائب كيف يعامل؟ يعامل معاملة يمكن أن يشكر بمكانته بين الناس.
سيدنا حاطب ارتكب خيانة عظمى, والنبي قبله, قال:
((إني صدقته فصدقوه، وكلفه بعمل من جنس خيانته))
دليل أنه وثق به.
والحمد لله رب العالمين