عدد المساهمات : 16999 تاريخ التسجيل : 04/07/2013 الموقع : https://www.youtube.com/watch?v=QriWAmC6_40
موضوع: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾ ["الأحزاب" : 40]. الجمعة يوليو 05, 2013 5:19 am
﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾ ["الأحزاب" : 40]. بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2010-03-13 هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل النصف الثاني من سورة "الأحزاب" وهى سورة مدنية ، وآياتها ثلاثة وسبعون "73" بعد البسملة ، وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى "غزوة" الأحزاب "في الآيات من" 9 -- 27 "منها ، والمقصود ب "الأحزاب" هم كفار قريش الذين جاءوا من الجنوب ، ثم انضم إليهم من تجمع معهم من القبائل الذين جاءوا من الشمال ، من أمثال قبيلتي "غطفان" و "أشجع" ، وقد تكتلوا لمحاربة المسلمين ، وخططوا لحصار المدينة المنورة ، وقد حدث ذلك في السنة الرابعة للهجرة فقام رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- بحفر الخندق حول المدينة دفاعا عنها ضد الحصار الذي دام حوالي الشهر ، ثم أرسل الله -- تعالى -- على أحزاب الكفار ريحا عاصفة وجنودا من الملائكة ، فاضطروا إلى فك الحصار ، وإلى الفرار طالبين النجاة ، وانصرفوا راجعين بخيبة الأمل من حيث أتوا. ويدور المحور الرئيس لسورة "الأحزاب" حول الوصف التفصيلي للغزوة التي سميت باسمهم ، كما فصلت عددا من التشريعات والتوجيهات والآداب الإسلامية ، وتحدثت عن الآخرة وأهوالها ، ونصحت العباد بضرورة الالتزام بتقوى الله ، وختمت بالحديث عن الأمانة التي حملها الإنسان ، ولم يطق حملها أي من السماوات والأرض والجبال.
هذا ، وقد سبق لنا استعراض سورة "الأحزاب" وما جاء فيها من التشريعات والعبادات والأخلاق وركائز العقيدة ، ونخص هذا المقال بأوجه الإعجاز الإنبائي التاريخي والتربوي في إشارات القرآن الكريم إلى خاتم الأنبياء والمرسلين -- صلى الله عليه وسلم -- في هذه الآية الكريمة وفي غيرها من آيات هذا الكتاب المجيد. وقد جاءت الإشارة إلى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله النبي العربي -- صلى الله عليه وسلم -- في القرآن الكريم في مائتين وثمانية عشر (218) موضعا ، منها أربع "4" مرات باسم محمد ، ومرة واحدة "1" باسم أحمد ، وفي ثمان وثلاثين "38" مرة بصفة النبوة ، وفي مائة وخمسة وسبعين "175" مرة بصفته الرسولية ، وسميت باسمه الكريم إحدى سور القرآن المجيد "سورة محمد" ، هذا بالإضافة إلى العديد من صيغ النداء عليه ، وذلك لأن الخطاب القرآني في غالبيته موجه إلى خاتم الأنبياء والمرسلين -- صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين -. ميلاده -- صلى الله عليه وسلم -- : في دار النابغة بمكة المكرمة في وقت السحر ، من ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة (53) قبل الهجرة في عام الفيل ، الموافق (20/4/570 م) ، ولد المصطفي -- صلى الله عليه وسلم -- وعلى ذلك فهو الوحيد من أنبياء الله الذي يعرف كل من تاريخ ومكان ميلاده ، وتاريخ ومكان وفاته ، وأين دفن وتفاصيل سيرته العطرة بدقة نادرة. وقد ولد -- صلى الله عليه وسلم -- يتيما ؛ لأن والده كان قد توفي وتركه جنينا في بطن أمه ابن شهرين ، وفي عام ميلاده الشريف هزم جيش "أبرهة الأشرم" الحاكم الحبشي لليمن ، الذي زحف بجيشه يتقدمه الفيل إلى مكة يقصد هدم الكعبة ، فأذله الله -- تعالى -- ودمر جيشه بمعجزة خارقة. وفي تلك الليلة وانطفأت النيران المعبودة في معابد الفرس ، وجفت بحيرة "ساوة" ، بعد أن غارت مياهها ، (وكان الفرس الوثنيون يعتبرونها بحيرة مقدسة) وزلزل إيوان كسرى ، وسقطت أربعة عشر شرفة من شرفه. نشأته -- صلى الله عليه وسلم -- : تم إرضاع الوليد المبارك في ديار بني سعد ، أرضعته السيدة حليمة السعدية ، التي شهدت ما حل بديارها من بركات هذا الرضيع الذي فطم بعد سنتين ، وأرادت أمه أن تسترجعه ولكن حليمة استعطفتها أن تبقي وحيدها في مضارب بني سعد ، حتى يشب صحيحا في جو البادية ، فبقي هنالك إلى سن الخامسة حين استرجعته أمه ، فعاد إلى مكة ، ورأت أمه أن تصحبه لزيارة قبر أبيه (عبد الله بن عبد المطلب) الذي لم يره بيثرب وفاء لذكره. وبعد وصولهما إلى المدينة عاش كلاهما عند أخوال أبيه (بنو النجار) قرابة الشهر ، وفي طريق العودة إلى مكة توفيت أمه ودفنت في منطقة تعرف باسم (الأبواء) ، وتركت هذا الصبي الصغير في صحبة خادمة لها ، يعاني اليتم المركب بوفاة أبيه وهو لا يزال في بطن أمه ، ثم بوفاة أمه وهو في حدود السادسة من العمر. وفي مكة احتضنه جده عبد المطلب ، الذي بالغ في إكرامه لمدة عامين ، ثم ما لبث أن مات ومحمد في حدود الثامنة من العمر فاحتضنه عمه أبو طالب. وعاش هذا الطفل في مكة صامتا ، متأملا ، مفكرا ، لا يعرف لهو الطفولة ، يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط حتى بلغ الثانية عشرة من عمره ، واشتهر في مجتمعه بالصادق الأمين. وفي أوائل العشرينيات من عمره خرج في تجارة للسيدة خديجة بنت خويلد ، إلى بلاد الشام ، وعاد من تلك الرحلة بربح وفير ، فأعجبت السيدة خديجة بأمانته ، وعرضت عليه الزواج فقبل ، لأن زوجها كان قد مات عنها ، وكانت سيدة ذات شرف ومال ، فطمع فيها الطامعون لنبلها وشرفها ، وكانت تبحث عن زوج يحميها ويحفظ ثروتها من طمع الطامعين. كانت هي في حدود الأربعين من عمرها وهو في حدود الخامسة والعشرين ، وبعد إتمام الزواج عاش الزوجان الكريمان معا لقرابة الربع قرن ، رزقهما الله -- تعالى -- خلاله بولدين وأربع بنات ، هم : القاسم ، زينب ، رقية ، أم كلثوم ، فاطمة ، وعبد الله ، وقد توفي الولدان وبقيت البنات الأربع. بعثته الشريفة : -- في سن الأربعين جاء الوحي إلى محمد بن عبد الله ، وهو يتحنث في غار حراء ، وكان ذلك في رمضان سنة (13 ق. ه / الموافق : 610 م) ، وعاد خائفا مرتعدا إلى بيته ، فأوسدته زوجته السيدة خديجة في سريره ودثرته بأغطية ثقيلة ، وسألته الأمر ، فلما قص عليها ما حدث معه قالت : "... أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا... إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف وتعين على نوائب الدهر". وانطلقت به السيدة خديجة إلى ابن عم لها يعرف باسم "ورقة بن نوفل" ، وكان من الأحناف ، فبعد أن استمع إليه قال : "هذا هو الناموس الذي أنزله الله على موسى ، يا ليتني فيها جذع ، يا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك". فقال -- صلى الله عليه وسلم -- : "أومخرجي هم؟" قال ورقة : نعم ، لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ". ويسجل القرآن الكريم البشرى بمقدم خاتم الأنبياء والمرسلين -- صلى الله عليه وسلم -- على لسان عيسى ابن مريم -- عليهما السلام -- وذلك بقول ربنا -- تبارك وتعالى -- (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ([الصف : 6]. كما يسجل البشرى بمولده يتيما في عام الفيل ، ورعاية الله -- تعالى -- له فيقول ربنا -- تبارك اسمه -- : (ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى ([الضحى : 6 -- 8]. ويقول -- عز من قائل -- : (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف مأكول ([الفيل : 1 : 5]. ويقول عنه ربنا -- تبارك وتعالى -- : (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ([الأحزاب : 40]. وهذه الآيات الكريمة تمثل وجها من أوجه الإعجاز الإنبائى والتاريخي في كتاب الله ، كما تمثل السيرة العطرة لهذا النبي الخاتم وجها من أوجه الإعجاز التربوي في هذا الكتاب العزيز.