بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
من الصفات التي تتعلق بالمؤمن وغير المؤمن :
أيها الأخوة الكرام, الخُلق اليوم خُلق الإيثار، وفي اللغة إيثار وأثر، أن تخص نفسك بشيء ولا تعبأ بمن حولك فهذه أثر، وهي صفة الشاردين عن الله عز وجل، البعيدين عنه، وأن تؤثر أخاك بشيء أنت بحاجة إليه هذه مؤاثرة.
فالمؤمنون من أخلاقهم المؤاثرة، وغير المؤمنين من أخلاقهم الأثر، الإيثار تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا رغبة في حظوظ الآخرة، لمجرد أن تؤمن إيماناً يقينياً بالدار الآخرة، وبأن فيها جنة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر, فإنك مؤمن بالآخرة، ولأنك تسعى لها، ولأنك تقدم أسباب بلوغها, تؤثر أخاك على نفسك، ولأن الطرف الآخر كافر بالجنة, لا يعلم بها, لا يعلم إلا الدنيا، لا يعرف إلا الدنيا، لذلك الأولى أن يأخذ ما له، وأن يبني مجده على أنقاض الآخرين، فدائماً وأبداً من صفة المؤمن الإيثار، ومن صفة غير المؤمن الأثر، المؤمن يؤثر من حوله على نفسه، وغير المؤمن يؤثر نفسه على من حوله، المؤمن يبني حياته على العطاء، وغير المؤمن يبني حياته على الأخذ.
درجات الإيثار :
1- أن تؤثر الخلق على نفسك:
الحقيقة: للإيثار درجات؛ الدرجة الأولى: أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يخرب عليك ديناً، ولا يقطع عليك طريقاً:
تؤثر الآخرين على نفسك وأنت وفق منهج الله, من دون أن تضحي بدينك، ولا أن تضحي بسلامتك، هذه مرتبة.
2-أن تؤثر رضاء الله على رضاء من حولك:
الدرجة الثانية: أن تؤثر رضاء الله على رضاء من حولك:
وهذا مكلف جداً، قد يستدعي أن تفقد مالك أو مكانتك، هذه أخلاق الأنبياء والمرسلين وأولي العزم وسيد المرسلين، ويأتي من بعدهم المؤمنون بقدر إخلاصهم، وعظم إيمانهم، لكنه جرت العادة أنه من أرضى الله بسخط الناس, رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضى الناس, سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس.
لا مؤاثرة في الخير والخير كله في المؤاثرة :
لكن النقطة الدقيقة: أنه لا إيثار في الخير، والخير كله في المؤاثرة.
مستحيل أن أضحي بفريضة أو بطاعة أو بسبب قرب من الله عز وجل بسبب أخي, هذا من عمل الشيطان، لا أحج، والحج فريضة، لكن سأدفع هذا المبلغ لأخ لي، لعله ينتفع به.
حينما أؤثر أخي على طاعة لله، أو على أداء فريضة فهذا ليس مؤاثرة، ولكنه حمق، وبعد عن الله عز وجل، هذا الكلام جمع في هذه المقولة:
لا مؤاثرة في الخير، والخير كله في المؤاثرة.
أنا لا أزور أمي، ولا أقضي لها حاجاتها كي أفسح المجال لأخي ليقوم بذلك، وأخي أيضاً آثرني، فالأم بقيت من دون خدمة، ومن دون بر، أن تؤثر أخاك بطاعة أو بقرب أو بعمل صالح, هذا مرفوض في الدين، أنا أؤثر أخي بدنياي، وأضحي بدنياي من أجله, رغبة فيما عند الله، أما حينما أزهد بما عند الله من أجل أخي، فأنا لست فقيهاً، ولا أعرف من المؤاثرة شيئاً.
ملخص الكلام: لا مؤاثرة في الخير، والخير كله في المؤاثرة.
أنا في الصف الأول، وفي الصف الأول ثواب أكبر، أرجع إلى الوراء لأقدم أحدًا مكاني، لا، بالجامع لا يوجد مراتب دنيوية، الجامع لمن سبق، أنا في الصف الأول، ولا أسمح لغيري أن يأخذ هذا المكان.
طفل كان لجانب النبي، وزعت ضيافة, فقال لهذا الطفل الذي عن يمينه، ومن حق هذا الطفل أن يأخذ الضيافة بعد, النبي قال له: يا غلام أتؤثر الأشياخ؟ قال: لا، والله لا أؤثر مكاني منك لأحد، والنبي أثنى عليه.
في الطاعات لا يوجد مؤاثرة، يجب أن تكون في الصف الأول, يجب أن تؤدي الأعمال الصالحة، ولا تؤثر أخاك بعمل صالح يكون قربة إليك إلى الله عز وجل.
تطبيق عملي لهذه الآية :
الإيثار سببه تعظيم الحقوق، إذا عظمت حق الله عز وجل, آثرت أخاك بخير دنيوي رغبة بما عند الله عز وجل، والإيثار أساسه مقت الشح، ومكارم الأخلاق، آيات كثيرة أبرزها:
﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
[سورة الحشر الآية: 9]
بالتطبيق العملي: كنت مع أخيك في سفر، نزلتم في فندق، السرير الأفضل لأخيك، سرير وكنبة، وأنتم اثنان، المؤمن دائماً يؤثر أخاه بالسرير، وينام هو على الكنبة، إذا وجد تفاحتان، تفاحة كبيرة، ولها خد أحمر، وتفاحة صغيرة، أوثر أخي دائماً، من أخلاق الشاردين أن يأخذ الكبيرة له، والأجود له، محل في السيارة الذي من جانب النافذة له، والطعام الطيب له ، أهل الدنيا يؤثرون أنفسهم على من حولهم، وأهل الدين يؤثرون من حولهم على أنفسهم، وهذه علامة مميزة للمؤمن حينما يخص نفسه.
يذهب مع أخوته إلى نزهة، يسعى للراحة، وإذا جاء الطعام يكون نشيطاً إليه، ويجلس في أوجه مكان، ويأخذ أكبر الكميات له، هذا بعيد عن الله عز وجل، عند التعب تخلف ، وعند المغانم تقدم.
فهذه صفة تجدها في جزئيات كثيرة، لمجرد أن تجد نفسك بطعام أجود، براحة أكثر، ولا تعبأ بمن حولك, فأنت شارد عن الله، ولمجرد أن تؤثر أخاك بالمكان الأصلح، وبالطعام الأطيب، وبالمكان الأكمل, فأنت مؤمن ورب الكعبة.
من معاني الإيثار :
في الأساس يوجد مؤاثرة كبيرة جداً:
﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾
[سورة النازعات الآية: 37-39]
فقد تؤثر الآخرة على الدنيا فتربحهما معهاً، وقد تؤثر الدنيا على الآخرة فتخسرهما معاً، أكبر معنى من معاني الإيثار: أن تؤثر الآخرة على الدنيا، أو أن تؤثر الآخرة على الدنيا، لكن:
من آثر الآخرة على الدنيا ربحهما معاً، ومن آثر الدنيا على الآخرة خسرهما معاً.
هذه أخلاق الصحابة الكرام :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِي اللَّه عَنْه-, أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ, فَقُلْنَ:
((مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا, فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ, فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي, فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ, وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ, وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً, فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا, وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا, وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا, ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا, فَأَطْفَأَتْهُ, فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ, فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ, فَلَمَّا أَصْبَحَ, غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقـَالَ: ضَحـِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عـَجِبَ مِـنْ فَعَالِكُمَا, فَـأَنْزَلَ الـلَّهُ: وَيـُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كـَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))
هذه أخلاق الصحابة الكرام.
انظر ما قاله علماء الفقه :
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
((قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ, جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ, ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ, فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]
في الأزمات لا يوجد ملكية خاصة، لذلك قال علماء الفقه:
إن هناك تعسفاً في استعمال الحق, ولو أن البضاعة الغذائية ملكك، لكن ينبغي ألا تمنعها عن المسلمين في ساعة الأزمات، فإذا منعتها فقد تعسفت في استعمال هذا الحق.
ما المقصود بمعنى هذا الحديث؟ :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِي اللَّهم عَنْهم- أَنَّهُ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ, وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه, ومالك في الموطأ]
يوجد شيء في الإسلام لا تجدونه أبداً في الآلات الحاسبة، الآلة الحاسبة يوجد جمع، طرح، ضرب، تقسيم، وجذر، ونسبة مئوية، لكن لا يوجد زر البركة، البركة أن تستطيع أن تفعل بالشيء القليل الأشياء الكثيرة، هذه لها قانون خفي عند الله عز وجل .
من حفظ نعمة الله عز وجل, بارك الله له في رزقه، من أدى الصلاة على وقتها, بارك الله له في وقته، البركة أن تستطيع أن تفعل في الوقت القليل الشيء الكثير.
بار ك الله لك في وقتك، وقد يبارك الله لك بالمال، فمال قليل تنتفع به بأشياء كثيرة.
المؤاخاء بين الأنصار والمهاجرين :
النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما هاجر أصحابه إلى المدينة, آخى بين الأنصار والمهاجرين، والشيء العجيب: أن المهاجرين عرضوا على الأنصار نصف أموالهم، عرضوا على من كان عنده بيتان عرض على أخيه بيتاً، ومن كان عنده دكانان عرض على أخيه دكاناً ، إلى هنا نكتفي، لا نتابع الموضوع، لكن الذي يلفت النظر: أن هؤلاء المهاجرين ما سجل التاريخ أن واحداً أخذ من أخاه شيئاً! .
الكلمة الرائعة التي قالها عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في مالك, ولكن دلني على السوق.
الشيء الرائع: أنه بقدر ما كان الأنصار أسخياء, بقدر ما كان المهاجرين أعفة، هذا الإيمان، أخوك سخي وأنت عفيف، أخوك يعرض عليك وأنت تتأدب.
ما سبب نزول هذه الآية؟ :
من أبرز الخلق الإيثار: أنه كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء -بستان من أفضل بساتينه، وكان قريباً من المسجد، وكانت مستقبلة المسجد-، وكان عليه الصلاة والسلام يدخلها، ويشرب فيها من ماء طيب, فيها بئر ماء طيب ، قال أنس عندما أنزلت هذه الآية:
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
[سورة آل عمران الآية: 92]
قام أبو طلحة للرسول -عليه الصلاة والسلام-, فقال: يا رسول الله, إن الله تبارك وتعالى يقول:
﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾
وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله.
من عنده بيت جميل جداً بأضخم شارع هادئ، له إطلالة جميلة، وعنده بيوت أخرى، فيقدم هذا البيت لله عز وجل؟ من عنده بستان رائع يقدمه لله عز وجل؟.
قارن بين أصحاب النبي وبين المسلمين اليوم :
عَنْ أَنَسٍ -رَضِي اللَّهم عَنْهم- قَالَ:
((لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾, وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ, قَالَ: وَكَانَتْ حَدِيقَةً, كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُهَا, وَيَسْتَظِلُّ بِهَا, وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا, فَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, أَرْجُو بِرَّهُ وَذُخْرَهُ, فَضَعْهَا -أَيْ رَسُولَ اللَّهِ- حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَخْ يَا أَبَا طَلْحَةَ, ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ, قَبِلْنَاهُ مِنْكَ وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْكَ, فَاجْعَلْهُ فِي الْأَقْرَبِينَ, فَتَصَدَّقَ بِهِ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ, قَالَ: وَكَانَ مِنْهُمْ أُبَيٌّ وَحَسَّانُ, قَالَ: وَبَاعَ حَسَّانُ حِصَّتَهُ مِنْهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ, فَقِيلَ لَهُ: تَبِيعُ صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ, فَقَالَ: أَلَا أَبِيعُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِصَاعٍ مِنْ دَرَاهِمَ؟ قَالَ: وَكَانَتْ تِلْكَ الْحَدِيقَةُ فِي مَوْضِعِ قَصْرِ بَنِي حُدَيْلَةَ الَّذِي بَنَاهُ مُعَاوِيَةُ))
هكذا كان أصحاب النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، المسلمون اليوم فهموا الدين شعائر، وأن هذه أوامر أو أخبار:
﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾
[سورة الحشر الآية: 9]
هذا شيء لا يعيشه المسلمون اليوم.
انظر إلى هذا التوجيه للصحابي الجليل :
النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل ما قال.
فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:
((جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبُرْدَةٍ, فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ الشَّمْلَةُ, فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا, فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْسُوكَ هَذِهِ, فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا, فَلَبِسَهَا فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا أَحْسَنَ هَذِهِ فَاكْسُنِيهَا! فَقَالَ: نَعَمْ, فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَامَهُ أَصْحَابُهُ, قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا, ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا, وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ, فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا))
ما قال قط لا إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم
ما قال لا إلا كانت لاؤه نعم! سأل: لمن هذا الوادي؟ قال: هو لك, قال: أتهزأ بي؟ قال: لا والله، قال: أشهد أنك رسول الله، وهكذا الحديث.
جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبُرْدَةٍ, فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ:
((أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ الشَّمْلَةُ, فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا, فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْسُوكَ هَذِهِ, فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا, فَلَبِسَهَا فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا أَحْسَنَ هَذِهِ فَاكْسُنِيهَا! فَقَالَ: نَعَمْ, فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَامَهُ أَصْحَابُهُ, قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا, ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا, وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ, فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا))
هكذا كان توجيه الصحابي الجليل.
من وصايا عمر :
سيدنا عمر قال: يا عبد الله لابنه عبد الله: اذهب لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-, فقل لها: إن عمر يقرئك السلام، ثم سلها أن أدفن مع صاحبي في قبر النبي، وقبر سيدنا الصديق، -وقبر فارغ، السيدة عائشة تركته لنفسها، لأنه قبر والدها وزوجها، هذا القبر الفارغ طمع به سيدنا عمر فقال: استأذن لي أم المؤمنين عائشة، ثم سلها أن أدفن مع صاحبي-، قالت: والله كنت أريده لنفسي، فلأوثرنه اليوم على نفسي.
-وافقت، طبعاً كان خليفة المسلمين-، فلما أقبل قال له: ما لديك؟ -ماذا قالت؟-, قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين، قال: ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع، فإذا قبضت، -الآن انتهى الأمر, هو خليفة ومعه سلطة، واستأذن السيدة عائشة، وسمحت له, ولكن لو أنه ليس خليفة المسلمين هل تأذن؟.
فما عد هذا الإذن مقبولاً, قال: بعد أن أموت استأذنها مرة ثانية، -انتهت خلافتي-، فإن أذنت فادفني في هذا المكان، قال: ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع، فإذا قبضت فاحملوني، ثم سلموا، ثم قل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فادفنوني، وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين، لأني لا أعلم أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة، فاسمعوا له وأطيعوا، فسمى عثمان، وعليًّا، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد الله بن أبي وقاص، وولج عليه شاب من الأنصار فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله، كان لك من الإسلام ما قد علمت، ثم استخلفت فعدلت، ثم الشهادة بعد هذا كله، فقال: ليتني يا بن أخي، وذلك كفافاً لا علي ولا لي، أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيراً، أن يعرف لهم حقهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً، الذين تبوؤوا الدار والإيمان، وأن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وألا يكلف فوق طاقتهم.
من قصص الصحابة :
من قصص الصحابة النادرة: عن حذيفة العدوي قال: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي، ومعي شيء من ماء، وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، بعد أن انتهت معركة اليرموك طلب ابن عم له، ومعه شيء من الماء، والجريح يشعر بحاجة للماء تفوق حد الخيال ، وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، ومسحت به وجهه، فإذا أنا به قلت له: أسقيك، -جريح يموت-, فأجاب: أن نعم، فإذا رجل يقول: آه عطشان، فأشار ابن عمه إليه: أن انتقل إليه، فجئته فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك، فسمع به آخر فقال: آه، فأشار هشام أن انطلق به إليه ، -للثالث-، فجئته فإذا هو قد مات، رجعت لهشام، فإذا هو قد مات، ورجعت لابن عمي فإذا هو قد مات، رحمة الله عليهم أجمعين، شيء نادر!.
الحال الذي يصل إليه المسلم حينما يتخلى الله عنه :
في آخر حجة حججتها, تأخرت الطائرة في جدة سبع ساعات، قدم للحجاج المتأخرين شطيرة وعصير، فالذين لم يصبهم هذا الذي وزع، سبّ الدين.
حاج انتهت حجته في طريق عودته لبلده، لأنه لم تصبه شطيرة وإناء عصير سبّ الدين، لاحظ الفرق، عندما يتخلى الله عن المسلمين، يموت وهو في أشد الحاجة لكأس ماء، قال: اسق أخي الثاني، قال: اسق الثالث، الثالث مات، عاد للثاني مات، والأول مات، هؤلاء الصحابة، كأنهم ملوك الدار الآخرة، وكأنهم رجال، ونحن لسنا رجالا.
ماذا يوجد داخل هذه الرسالة؟ :
مرة أخ بعث لي رسالة بالبريد الإلكتروني يقول لي فيها: سمع عن بطولات بعض النساء المسلمات، فقال: أحمد الله أنه قد كتب على هويتي ذكر، ولم يكتب رجل، لأني لست رجلاً أمام هذه البطولات، الصحابة الكرام كانوا في مستوى يفوق حد الخيال، وهو يموت، وهو في أشد الحاجة لكأس ماء, يفضل غيره عليه.
ما صنعته أمنا عائشة مع مسكين طرق بابها وهي صائمة :
عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-, أن مسكيناً سألها وهي صائمة، وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطه إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه, فقالت: أعطه إياه، قالت: ففعلت، قالت: فلما أمسينا, أهديت إلينا شاة وكفنها توابعها، فدعتني عائشة، وقالت لي: كلي من هذا، فهذا خير من قرصك.
من رغيفك.
علام يدل هذا الفعل لعمر؟ :
عن مالك دينار, أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أخذ أربعمائة دينار، وجعلها في سرة, ثم قال للغلام: اذهب بها إلى عبيدة بن الجراح، ثم تلكأ ساعة، -انتظر، تشاغل في البيت حتى تنظر ماذا يصنع؟ هي هبة لأبي عبيدة-، فذهب إليه الغلام فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، هي لك, فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره, فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، وقال: اذهب بهذه لمعاذ بن جبل، وتلكأ في البيت ساعة حتى تنظر ماذا يصنع؟ فذهب بها إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في حاجتك, فقال: رحمه الله ووصله, وقال: يا جارية اذهبي لبيت فلان بكذا، وبيت فلان بكذا، ونحن؟ والله مساكين أعطنا لم يبق شيئاً، وبقي في الخرقة ديناران فنحّى بهما إليها، فرجع الغلام لعمر فأخبره، فسر بذلك عمر، فقال: إنهم أخوة بعضهم من بعض.
أيها الأخوة, حينما أرى المسجد ممتلئا بالأخوة، ولا أجد مؤاثرة بين الأخوة، هذا التجمع لا قيمة له، وحينما أجد مؤاثرة, يوجد تعاون, تعاطف, تلبية, إغاثة، لو في المسجد عشرة لكفى، الكم لا قيمة له، العبرة بالنوع.
ما حكي عن أبي الحسن الأنطاكي :
آخر قصتين: حكي عن أبي الحسن الأنطاكي: أنه اجتمع عنده نيف وثلاثة وثلاثون رجلاً بقرية من قرى الري، ومعهم أرغفة معدودة، لا تشبعهم جميعاً، فكسروا الرغفان، وأطفؤوا السراج، وجلسوا للطعام، فلما رفع, فإذا الطعام بحاله، كل واحد تصنع أنه يأكل، ولم يأكل مؤاثرة لأخيه، والثاني كذلك، بعد أن انتهى وتناولوا الطعام, وجدوا أن الأرغفة في القصعة كما هي لم تنقص.
هذا مجتمع الصحابة :
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأس شاة، فقال: إن أخي فلانًا وعياله أحوج إلى هذا مني، فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث بهم واحدًا إلى الآخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات، ثم رجعت إلى الأول رأس الشاة.
أخي أحوج، أعطه الثاني، فضل الثالث، وهكذا انتقل هذا الرأس في سبعة أبيات، آخر مرحلة عاد إلى الأول، هذا مجتمع الصحابة، فإذا كنا بخلق المؤاثرة كنا كحالهم.
إليكم قصة هذه المزرعة بخان الشيح :
حدثني أخ عنده مزرعة بخان الشيح، فالغنم بالصيف بحالة عطش شديد، كلما دخلوا لمزرعة طردوهم، إلا مزرعة واحدة, صاحب هذه المزرعة خيّر، فبنى ساقية للغنم، فكلما جاء قطيع غنم لهذه المزرعة, شرب الغنم من ساقية يملؤها ماء، والغنم يصطف بشكل منسق ويشرب، أقسم لي بالله -وهو قريب لي في هذه المنطقة في خان الشيح-, ثلاث وثلاثون مزرعة جميعها جفت آبارها إلا هذه المزرعة!.
تأكد أنك حينما تؤثر أخاك بشيء, سيعوض الله عليك الشيء بأشياء، لكن هذا يحتاج إلى إيمان، هذه المزرعة بقيت وحدها, يضخ من بئرها بكميات معقولة جداً في زمن الجفاف.
خاتمة القول :
لذلك:
﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾
[سورة الحشر الآية: 9]
أنت حينما تؤثر أخاك, انتبه أيضا هو يؤثرك، بالنهاية لن تخسر، هو آثرك، وأنت آثرته، أنت أعطيته، وهو أعطاك، بالمحصلة أنكم جميعاً ترتقون إلى الله، وتنالون من الدنيا ما يكفي ، وإذا كنا من أصحاب الأثرة, النتيجة واحدة, وهي أننا سقطنا من عين الله جميعاً، والحاجات بيننا، أنت حينما تؤثر أخاك فأخوك يؤثرك.
أنا أرى أن هذا الخلق من أفضل أخلاق المؤمن, دائماً آثر أخاك، وأنت الرابح.
سيدنا عمر قال: أكلتها ذهبت، أطعمتها بقيت.
عَنْ عَائِشَةَ, أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
((مَا بَقِيَ مِنْهَا؟ قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا, قَالَ: بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا))
هذه قضية الإيمان بالآخرة، إذا لم يؤمن بالآخرة لا يغلّب نفسه، متشبّث بالدنيا لقمة رأسه ، مستعد أن يعيش وحده، ويأكل وحده، والناس شعار من بعد الطوفان كثير, له اليوم أتباع، بالتعبير العامي: سلامتك يا رأسي، ينفذ وحده، أما الناس فلا يهم، المؤمنون أسرة, لا أحد يستأثر بشيء، بل يعطي أخاه كل شيء.
والحمد لله رب العالمين