بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم ، في هذه الحلقة من برنامجكم الإيمان هو الخلق . أعزائي ، في الحلقة السابقة تحدثنا عن مقوم من مقومات التكليف ـ الشهوة ـ وقد أفردنا لها ثلاث حلقات ، ولم نكمل الحديث في تفاصيلها ، واليوم في محطتنا مع الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، نكمل هذا المبحث إن شاء الله . سيدي ، عندما أتيت ، وتحدثت عن الشهوة اتفقنا على اصطلاح ، بأنها هي حيادية ، وهي قوة كامنة ، إذا ما استخدمناها في قنواتها ، وفي مجالاتها الصحيحة فهي قوة ارتقاء إلى الله عز وجل ، وإذا ما استخدمنا هذه القوة خارج النطاق الصحيح ، وخارج الحيز والحاضنة الصحيحة نزلت بنا إلى الدركات السفلى ، وإلى الأماكن التي لا تتناسب وكينونة الإنسان ومقامه ، وتكريم الإنسان عند ربه عز وجل . وتحدثنا في هذا المنحى الشيء الكثير ، ثم وصلنا إلى مسألة بأن الشريعة جاءت بالعدالة والضبط ، وقالت للمرء الذي يريد أن يستقيم في حياته : هنالك العدالة ، العدالة تعني الاستقامة ، والضبط يعني الدقة في الوصف ، وفي الفهم ، وفي القول ، ومن لا عدالة له ولا ضبط له يسقط ، حقوقه المدنية تسقط ، لكن هذه العدالة يعتورها أشياء كما مر معنا في الحلقة الماضية ، إما أن تكسر كما تكسر كأس الزجاج ، وبالتالي تنتهي وتسقط ، أو أن تجرح ، ومثلتها سيدي الكريم بأنه كما يأتي إبريق الزجاج ، ويُشعر بصدمة بسيطة فتُجرَح . لهذه القضايا علاجات ، ولهذه القضايا أمثلة ، وجئت بأنه من تحقق فيه العدالة والضبط فقد حرمت غيبته ، وظهرت مروءته وعدالته ، نكمل في هذا البحث إن تكرمت .مقدمة تذكيرية :
الدكتور راتب : لكن كتعليق على ما تفضلت به لو لم يكن هناك شهوات كيف نتقرب إلى الله ما في طريق ، لو لم يكن هناك شهوات كيف تظهر بطولات البشر ، الحياة محببة ، فالذي يضحي بحياته في سبيل مبدأ يعتقده صار بطلا ، الطعام والشراب حاجة أساسية ، فالذي يؤثر أخاه على طعامه وشرابه صار بطلا ، لولا الشهوات لم تكن هناك بطولات ، بل لولا أن النبي بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، هو بشر ، تجري عليه كل خصائص البشر ، وانتصر على بشريته فكان سيد البشر . تحدثنا عن العدالة ، والدقة ، والضبط ، وبينا أن هناك سقوطاً لهذه العدالة ، وأن هناك جرحاً لها ، نتابع البنود التي تجرح بها العدالة . إما أكل لقمة من حرام ، تطفيف بتمرة ، صحبة الأراذل ، الحديث عن مفاتن النساء ، من علا صوته في البيت .تتمة بنود إسقاط العدالة :
1 – الحديث عن مفاتن النساء لإثارةِ الشهوات والغرائز :
الآن الحديث عن مفاتن النساء ليثير الشهوات والغرائز ، هذا أيضاً يجرح عدالة الإنسان .أدبُ القرآن في الكنايات عن العلاقة بالنساء :
في الإسلام حياء وأدب .﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾
( سورة المؤمنون ) دخل في كلمة :﴿ وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾
كل أنواع الانحراف ، وهذه إشارة لطيفة مؤدبَّة مهذَّبة في كتاب الله :﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ﴾
( سورة النساء الآية : 43 )﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾
( سورة الأعراف الآية : 189 ) كل عبارات القرآن في العلاقات مع النساء جاءت عبارات لطيفة لا تجرح حياء الصغار ، فهذا الذي يقول : لا حياء في الدين ، نقول له : الدين كله حياء . فلذلك الحديث عن مفاتن النساء ، وعن ألوانهم ، وعن أشكالهم بغية إثارة الغرائز ، والحديث عن مغامرات لا تليق بالإنسان هذا يجرح عدالة الإنسان . ورد في النصوص : سار بأهله ، كلمة أهل كلمة رائعة لطيفة :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾
( سورة التحريم ) وبأقل كلام ممكن :﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ﴾
( سورة القصص الآية : 25 ) ووقفت هنا ، يقول لها ما المناسبة ؟﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾
( سورة القصص الآية : 25 ) وقفت هنا ، يقول لها ما المناسبة ؟﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾
وجاءت على استحياء . لذلك من علامات قيام الساعة أن ترفع النخوة من رؤوس الرجال ، ويذهب الحياء من وجوه النساء ، وتنزع الرحمة من قلوب الأمراء ، لا رحمة في قلوب الأمراء ، ولا حياء في وجوه النساء ، ولا نخوة في رؤوس الرجال .2 – رفع الصوت والصياح في البيوت :
ثم الحديث عن الضبط الداخلي ، من علا صياحه في البيت ، فسمعه من خارج البيت هذا جرحت عدالته . والحقيقة أستاذ علاء ، كل أنماط السلوك خارج البيت ، من هندام ، من أناقة ، من ابتسامة ، من انحناء ظهر ، بمنتهى الأدب أنا أسميه بالتعبير المعاصر الإنكليزي ( بزنز المصلحة )الإنسان لا يظهر على حقيقته إلا في البيت ، لا سلطان لأحدٍ عليه في البيت ، فأخلاقه في البيت ، أخلاقه مع أهله ، مع أولاده . لذلك النبي الكريم عدّ الخيرية المطلقة في البيت .(( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ))
[ أخرجه الترمذي عن عائشة ابن ماجة عن ابن عباس الطبراني ، عن معاوية] وكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً ، وكان يقول :(( أكرموا النساء ، والله ما أكرمهن إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم ، يغلبن كل كريم ، ويغلبهن لئيم ))
[ ورد في الأثر] لذلك :(( استوصوا بالنساء خيرا ))
[ متفق عليه ] كان عليه الصلاة والسلام في بيته كواحد من أهله ، كان يكنس بيته ، ويحلب شاته ، ويخصف نعله ، وكان في مهنة أهله ، وكان يركب حفيداه على ظهره في البيت ، وكأنه واحد من الناس ، هذه بطولة في العظماء ، أن يكون في بيته كواحد من أهل البيت . لذلك من علا صياحه في البيت ، من كان شرساً ، من كان قاسياً ، من صخاباً ، من كان عنيفاً في البيت هذا جرحت عدالته ، ولو إذا علا صياحه فقط ، لأن ارتفاع صوته في البيت يدل على عدم انضباطه ، أنا أقول البطولة في البيت ، وما سوى البيت مصلحة .الأستاذ علاء : سيدي ، سؤال يعترض المرء ، والآن يشاهدنا عدد كبير من الناس ، يتعرض المرء في حياته انفعالاتٌ في المنزل ، زوجته قامت بقضية هو لا يريدها ، فعكستْ إرادتَه ، ولده قام بمسألة عكس إرادته ، هو يتمنى أن لا يكون هذا الشيء ، في لحظة من اللحظات ينفعل ، فيعلو صوته ، ويزبد ويرعد ، فهذه القضية عندما يصل إلى مرحلة الانفعال بسبب الآخرين ، وليس بسببه ، بسبب أخطاء الآخرين ، هل يعتبر مخروم المروءة أيضاً ؟هل الانفعال في البيت لسبب مشروع يخرم المروءة ؟
الدكتور راتب : الحقيقة أن هناك غضبًا حقيقيًا ، وهناك تغاضب ، فالمربي يتغاضب ، ولا يغضب ، الغضب فيه تفلت من زمام السيطرة ، والنبي قال :(( لَا تَغْضَبْ ، فَرَدَّدَ مِرَارًا ، قَالَ : لَا تَغْضَبْ ))
[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ] أما التغاضب فمطلوب . قد يعلو صوتُ الإنسان لحكمة تربوية ، قد يكون قاسياً قسوة يحتاجها الموقف . سيدنا عمر شكا إليه بعض أصحابه شدته ، فبكى وقال : << والله يا أبا ذر ، لو يعلم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه ، ولكن هذا الأمر لا يناسبه إلا كما ترى >> . والحقيقة أستاذ علاء ، أنه سهلٌ جداً أن تكون ليّناً ، وأسهل أن تكون قاسياً ، لكن البطولة أن الذين حولك من الأهل والأولاد بقدر محبتهم لك يهابونك ، لا أن تكون مهاباً فقط ، المجرم مهاب ، القوي مهاب ، الطاغية مهاب ، أن تكون سبهللا ، كما يقولون ، هذه سهلة أيضاً ، إذا سيبت الأمور يتجاوز الناس الحدود ، ويتطاولون عليك ، أما أن تكون محبوباً بقدر ما أنت مرغوب فهذه بطولة . دائماً أستاذ علاء ، القضايا الحادة سهلة ، العنف أو التساهل كلاهما سهل ، و الفضيلة وسط بين طريفين ، البطولة أن يحبك الناس ، وأن يهابوك ، أو أن يحبوك بقدر ما يهابونك ، أو أن يهابوك بقدر ما يحبونك ، والأنبياء يعبدون الله :﴿ رَغَباً وَرَهَباً ﴾
( سورة الأنبياء الآية : 90 ) بل إن علاقتنا بالله ينبغي أن تبنى على هذا ، إذا زاد التخويف أوصلنا إلى اليأس ، وإذا زاد الحديث عن رحمة الله أوصلنا إلى التسيب ، فالله عز وجل إذا رأى عبده المؤمن تبحبح في السلوك يريه بعض الشدة ، وإن أدت الشدة إلى خوفه الشديد بحيث أن هذا الخوف أقعده عن العمل يريه بعض الرحمة .﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
( سورة الكهف الآية : 19 )الأستاذ علاء : سنعود إلى هذه المسألة في طريقة الله عز وجل في الدعوة لإنسان ، كيف يأتي به إلى الجادة ؟ سنأتي إليها عندما ننتهي .الدكتور راتب :توازنُ الدعوةٍ إلى لله بين الترغيب والترهيب :
لكن الآن هناك درس لإخواننا الدعاة ، هذا الذي يخوّف الناسَ من النار في كل خطبة ليس داعية ناجحا ، وهذا الذي يتحدث عن رحمة الله بلا قيد ولا شرط ، أيضاً ليس داعية ناجحاً ، لذلك الحديث بالأثر :(( يا رب ! أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك ؟ قال : يا داود ، أحب عبادي إلى نقي القلب ، ونقي الكفين ، لا يأتي إلى أحد سوءا ، ولا يمشي بالنميمة ، تزول الجبال ، ولا يزول ، أحبني ، وأحب من يحبني ، وحببني إلى عبادي ، قال : يا رب ، إنك لتعلم أني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى عبادك ؟ قال ؛ ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي ))
[ رواه ابن عساكر عن ابن عباس] أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم : بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني . إذاً : لا بد من أن يكون في قلب المؤمن تعظيم لله يحملهم على طاعته ، ومحبة له تحمله على الإقبال عليه ، وخوف منه يحمله على أن يقف عند حدوده . فالدعوة إلى الله ينبغي أن تكون متوازنة ، في التعظيم ، والحب ، والخوف .الأستاذ علاء : تعظيم ، وحب ، وخوف ، التعظيم بالآلاء ، وبالعطايا ، وبالمنن ، وأيضاً النعماء للمحبة ، والبلاء للخوف ، حتى تستقيم حياة المرء . نأتي إلى ما يجرح .الدكتور راتب :ممّا يجرح العدالة :
1 – المشيُ حافيا في الطريق وسوءُ الهندام :
من مشى حافياً في الطريق ، المؤمن له مكانة ، المؤمن يمثل هذا الدين ، المؤمن سفير الإسلام ، فمن مشى حافياً بثياب رثة جلب لنفسه الازدراء .(( أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك ))
عنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا :(( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ ... ))
[ أبو داو وأحمد ] الناس أحياناً ترون الناس من هيئته ، من أناقته ، من نظافته ، من تناسب ثيابه ، فهذا مدخل إلى قلوب الناس ، أن تكون شخصية لطيفة ، محببة ، أنيقة ، نظيفة ، وهناك شيء من الذوق في الثياب ، أما إهمال الذوق في الثياب ، إهمال النظافة فهذا يجرح عدالة المؤمن ، فالهندام مطلوب ، كان عليه الصلاة والسلام يعرف بريح المسك .(( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ ... ))
فمن مشى حافياً جرحت عدالته .2 – البولُ في الطريق :
ومن بال في الطريق جرحت عدالته ، شيء غير حضاري ، غير مقبول ، الإنسان هو الإنسان ، لك أن تقول : شرع ، أو تقول : نظام عام ، فهما ينبعان من فطرة الإنسان ، كيف لا وقد سمّى الله الشيء القبيح منكراً ، أي أن النفوس السليمة تنكرها بفطرته ، وسمَى الأعمال الصالحة معروفاً ، أي النفوس السليمة تعرفها بطبيعتها .3 – الأكلُ في الطريق :
ومن أكل في الطريق جرحت عدالته ، من أكل في الطريق ، الطريق فيه غبار ، أو أن هناك إنسانا جائعا ، وأنت تأكل طعاما نفيسا ، شطيرة غالية جداً ، ومعها عصير ، يجب أن تأكل في البيت ، أو في مكان مغلق ، أما في الطريق من دون قيد أو شرط فهو مما يجرح العدالة .الأستاذ علاء : الحقيقة أننا نشاهد عددا كبيرا من الناس الآن ممن يشتري ، ويأكل في الطريق مع العصائر ... وهذه الطريقة أولاً تشغله عن المسير بشكل سليم على الرصيف ، تشغل انتباهه على حركة الطريق ، وكما تفضلت في الطريق غبار ، وأذية للناس ، ممّن لا يستطيع أن يشتري هذه ، فقد أذيته ، كما قال في السنة النبوية ؛ إذا أردت أن تأتي بفاكهة أو طعام إلى البيت .الدكتور راتب :نصيحة للوالدين :
(( وإذا اشتريت فاكهة فاهد له ، فإن لم تفعل فأدخلها سرا ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ، ولا تؤذه بقتار قدرك ، إلا أن تغرف له منها ))
[ أخرجه الخرائطي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ] أستاذ علاء ، الآن الأب وضعه المادي ميسور ، يعطي ابنه 500 ليرة ، وهو في الحضانة ، أو المدرسة الابتدائية ، 500 ليرة تعطى لطفل صغير ؟! وحوله صغار أولياءهم دخلهم محدود ، هذا خطأ كبير ، أو أكلات غالية جداً يأتي بها الطفل . أنا أتمنى على الإخوة المشاهدين أن يعطوا أولادهم الفاكهة المألوفة التي يستطيعها كل الناس ، هذه تعطى إلى الطفل في المدرسة ، شطيرة عادية ، أما الطعام النفيس جداً ، أو الأكلات الغالية جداً المستوردة ، أو المبلغ الكبير جداً ، والله هذا فيه إفساد للطفل أولاً ، فيعلو على مَن حوله ، وثانياً : الطفل الذي له أخلاق عالية ، وأبوه محترم جداً يرى أن أباه فقير لا يعطيه شيئاً ، فينشأ شرخ عائلي ..الأستاذ علاء : وبالتالي يورث حقداً ، ويورث خللاً في النظر إلى الحالة الاجتماعية السليمة بكل معنى الكلمة .الدكتور راتب :4 – التنزُّهُ في الطرقات :
التنزه في الطرقات ليمتع الإنسانُ نظره في الغاديات والرائحات ، هذا يجرح عدالة الإنسان ، الطرقاتُ فيها معاصٍ كثيرة ، فالإنسان عليه أن يلزم الجانب الصحيح والعفيف .(( حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ))
[ رواه أحمد عن أم سلمة ] هذه أركان الأخلاق ، إذا حدثك فهو صادق ، وإذا عاملك فهو أمين ، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف ، فالعفة تقتضي ألا أتنزه في الطرقات ، لأمتع بصري بالغاديات والرائحات .الأستاذ علاء : هنالك أماكن للتنزه ، وهنالك أماكن أن يأخذ الإنسان عائلته إلى النزهة ، ويفرج عنهم ، وعن نفسه بكل معنى الكلمة ، وليس في الطرقات كما تفضلت .الدكتور راتب :الإيمان مرتبة إيمانية وأخلاقية وجمالية :
سيدي ، الإيمان مرتبة إيمانية وأخلاقية وجمالية ، والله إنّ المؤمن الصادق القريب من الله يتمتع بأذواق في الحياة الدنيا لا يعرفها أهل الفساد والفجور ، له ذوق عالٍ جداً ، لذلك العبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، فيها جانب معرفي ، وجانب سلوكي ، وجانب جمالي ، والجمال مطلوب ، هناك جمال الكلمة ، جمال التصرف ، جمال الأخلاق ، مكارم الأخلاق بطولات . لكن الإنسان كما قال تشرشل مرة : " ملَكنا العالم ، ولم نملك أنفسنا " ، لكن المؤمن ملَك نفسه ، بل إن حضارة الإسلام أساسها السيطرة على الذات ، بينما حضارة الغرب أساسها السيطرة على الطبيعية . لذلك أن تملك نفسك شيء عظيم ، سيدنا يوسف :﴿ رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾
( سورة يوسف الآية : 101 ) بعض العلماء له رأي خاص في هذه الآية ، هناك ملوك في الأرض ، فرعون كان ملِكا ، المُلك أن تملك نفسك عند الشهوة ، حينما دعته امرأة العزيز ذات المنصب والجمال ، وهناك عشرة أسباب تدعوه إلى أن يستجيب لها : هو شاب ، غير متزوج ، غريب ، عبد لسيدته ، ليس لها مصلحة أن يفشو هذا الأمر ، جميلة ، فتانة ، قال :﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
( سورة يوسف الآية : 23 ) لأنه ملَك نفسه قال :﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ ﴾
هذا بعض آراء المفسرين .5 – إخافة الناس بالحيوانات :
الآن : من قاد برذوناً ، وأن يكون كلب عقور ، يخيف الأطفال ، فالذي يقود برذوناً تجرح عدالته ، والآن يقاس عليه الكلب الكبير ، يملأ قلوب الصغار رعباً ، وقف على مدخل البناية ليعيق دخول أصحاب البيوت إلى بيوتهم ، هو حضاري ، وأتى من الغرب ، ومعه كلب .6 – قيادة السيارات بالسرعة الزائدة المتهوِّرة :
شيء أخير : من أطلق لفرسه العنان ، السرعة الزائدة تجرح العدالة .الأستاذ علاء : إذاً : مَن أطلق لفرسه العنان جرحت عدالته ، السرعة الزائدة ، كان في ذلك الوقت الرحل هو الفرس ، الآن السيارة ، الذين يطلقون لأنفسهم العنان في السرعة .الدكتور راتب : الآن أكثر الحوادث أساسها السرعة ، أنا كنت في أمريكا ، عند تقاطع الطرق الذي لا يقف على الصفر يخالف ، عند التقاطع الذي لا يقف على الصفر يخالف ، لا بد من أن تقف ، السرعة الزائدة تسبب كل الحوادث . بالمناسبة ، أكبر الوفيات بالحوادث في العالم كله ، كل أسبوع عندنا حوادث .الأستاذ علاء : دعنا نكون واضحين ، سنة 2005 تجاوز العشرين ألفا ، عدَا الجرحى ، وعدا العاهات الدائمة ، وفيها نسب من الأطفال ، وفيها نسب من الكبار ، كل هذا من السرعة الزائدة ، وعدم التقيد بالنظام العام .الدكتور راتب : هناك شيء يذكرني بقانون بريطاني لا يسمح لإنسان أن يقود مركبة عامة إلا بعد الأربعين ، أما الخاصة فمسموح .الأستاذ علاء : سيدي الكريم ، يبدو أن الوقت أدركنا ، وبقيت المحطة الأخيرة التي اخترتها ، وهي المحطة العلمية التي نرى فيها آلاء الله ، وعظمة الله ، إن شاء الله ، ماذا اخترت لنا ؟مِن إعجازَ خَلْقِ الله تعالى : تصميم النطفة :
الدكتور راتب : نتابع خلق الله في الإنسان ، لكن هذا اللقاء الثاني حول تصميم النطفة ، شيء لا يصدق أستاذ علاء . النطفة خلية موظفة لإيصال معلومة الذكر الوارثية إلى خلية البويضة في الأنثى ، إذا دققنا عن كثب نرى جهازاً مصمماً بشكل خاص لحمل هذه النطفة ، القسم الأمامي للنطفة مغطى بدرع واقٍ ، وتحته درع ثانٍ ، وتحت هذا الدرع الثاني أيضاً هناك ما يشبه الشاحنة التي تحمل النطفة ، وداخل هذه الشاحنة 23 صبغياً للمعلومات العائدة لجسم الرجل ، وأدق تفاصيله جميعها ، بألوف الملايين ، هذه المعلومات مخفية في هذه الصبغيات ولظهور إنسان جديد يجب أن تتحد الصبغيات الـ23 الموجودة في نطفة الرجل مع الصبغيات الـ23 الموجودة في بويضة المرأة ، وهكذا سيظهر أول تكوّن لجسم الإنسان من 46 صبغياً ، هذا تصميم النطفة . مقدمة النطفة فيها درع ودرع ومنصة ، ثم محرك ، هذا الذي يدور ، ثم ذيل لتنفيذ الحركة . تصميم الدرع الموجود في الجهة الأمامية للنطفة سيحمل هذا الحمل الثمين طوال هذه المسافة الطويلة من جميع أنواع الأخطار ، وتصميم النطفة غير محصور بهذا فحسب ، فهناك في القسم الأوسط للنطفة محرك قوي جداً ، ويرتبط بطرف هذا المحرك ذيل النطفة القوة التي ينتجها المحرك تدور الذيل كالمروحة ، وتؤمّن للنطفة قطع الطريق بسرعة ، ولوجود هذا المحرك لا بد من وقود لتشغيله ، وقد حسبت هذه الحاجة أيضاً فركّب له وقود أكثر اقتصاداً ، وأكثر فعالية ، وهو سكر الفلكتوز على السائل ، وهذه النطف مأخوذة بمنظار حقيقي تمشي باتجاه البويضة . في اللقاء الزوجي أستاذ علاء 300 مليون حوين ، إلى 500 مليون ، ويسير بسرعة فائقة كهذا الزورق تماماً ، هناك في خصية الرجل أقنية مجهرية يصل طولها إلى 500 م ، هذه الأقنية تنتج هذه النطف . أقسام النطفة من درع ومحرك وذيل تركب مع بعضها على الترتيب ، وفي النهاية تظهر روعة الهندسة الكاملة . علينا التفكير ولو قليلاً في هذه الحقيقة ، تركيب النطفة كهذا المعمل تماماً على أساس خط سير .أسئلة كثيرة لها جوابٌ واحدٌ :
كيف عرفت الخلايا التي لا وعي لها طريقة تجهيز النطفة بشكل يتناسب مع جسم الأم رغم جهلها بها تماماً ؟ كيف تعلمت النطف صنع الدرع المحرك ، والذيل بحسب حاجة جسم المرأة ؟ هذه صورة موضحة لطريقة صنع النطفة في الخصية ، وهذه النطف تبقى في الخصية من دون فعالية ، فإذا خرجت أصبحت فعالة . بأي عقل تترتب هذه القطع بالترتيب الصحيح ؟ من أين تتعلم النطف أنها ستحتاج إلى سكر الفلكتوز ؟ كيف تعلمت صنع محرك يعمل بسكر الفلكتوز ؟ هناك جواب واحد فقط لكل هذه الأسئلة : النطف والسائل المركب داخلها خلقه الله عز وجل بشكل خاص لاستمرار نسل الإنسان . هناك حقيقة دقيقة جداً قالها بعض العلماء الكبار في علم الأجنة : " النطفة منتجة بجسم الأب ، أما مهماتها فلا تتحقق إلا في جسم الأم ، ولا تملك أي نطفة في تاريخ البشرية العودة إلى جسم الأب مرة أخرى كي تعلم معامل النطاف ماذا رأت في جسم المرأة " ، كل خصائصها متعلقة بجسم المرأة ، ماذا يستنبط من ذلك ؟ أن هناك جهة ثالثة هي الخالق ، لأن هذه النطفة خرجت ولم تعد ، هي مصممة بجسم المرأة ، إذاً ما الذي أعلم معامل النطاف في جسم الرجل باحتياجات الرجل في جسم المرأة ؟ الله جل جلاله . مرة ثانية :﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾
( سورة الطور )النطفةُ بين الأحداث والاحتياطات :
الحقيقة هناك أحداث تواجه النطفة في جسم المرأة ، وهناك احتياطيات ، يعني هذه النطفة ينبغي أن تثقب البويضة معها أجهزة ميكانيكية للثقب ، ومعها أجهزة كيميائية ، هي مصممة كي تدخل إلى النطفة ، مَن علّم هذه النطفة أنه ستواجه بويضة لها جدا لا بد من ثقبها ، ولا بد من مادة مذيبة بثقبها ؟ وهذا له معنى كبير ، أن العبرة بالواحد لا بالكثرة . أحياناً الأمة تنهض بالعباقرة ، بالمخلصين ، بالمتفوقين ، لذلك نحن نحرص على المتفوقين ، ونمنع أن يأخذهم أعداءنا ، رعاية المتفوقين شيء مهم جداً . عندنا عالم اجتماعي اسمه ( كوس منعكس )كل حظوظ الإنسان 90 % وسط ، عبروا عنها بمئة درجة ، و5 % ، 140 ، و5% ، 80 ، ففي كل حظوظ الإنسان الذكاء ، والوسامة ، وسرعة التفكير ، والإدراك ، هناك تفوق 5% الذين يغيرون مجرى الحياة الـ5% هؤلاء فالعناية بالمتفوقين مطلب أساسي في حياتنا .الأستاذ علاء : لا يسعني إلا أن نشكر أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، على كل ما تفضلت به ، وكل هذا الشرح البيّن والواضح ، ويبدو لي أننا في مسألة الشهوة مقوم من مقومات التكليف ، لا بد لنا من محطتين ، أو من حلقتين ثانيتين إن شاء الله ، وشكراً لكل السادة المشاهدين الذين يتابعون هذه الحلقات ، ويفيدون منها إن شاء الله . سلام الله عليكم ورحمته وبركاتهوالحمد لله رب العالمين