بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة من برنامجكم الإيمان هو الخلق . كنا سيداتي وسادتي قد بدأنا موضوعاً في حلقات متعددة سابقة تناولناه بالبحث هو موضوع الشهوة كمقوم من مقومات التكليف ، نتابع هذا الموضوع مع الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق . أهلاً وسهلاً سيدي الكريم . بكم أستاذ علاء جزاكم الله خيراً .الأستاذ علاء :مقدِّمة تذكيرية :
سيدي الكريم ، تحدثنا في الشهوة كثيرًا ، تحدثنا في شهوة الجنس ، ثم في شهوة المال ، وتبينا في الحلقة الماضية بأن المال حيادي ، يوظف في الخير ، ويوظف في الشر كما يشاء موظفه ، وكما يشاء من أمسك بمقوده ، إذاً : هو قوة كامنة ، لكن لا تستطيع من تلقاء ذاتها أن تنبري ، وأن تتصدر ، وأن تتصدى لجهة دون جهة أخرى باتجاه الخير أو باتجاه الشر ، وإنما الذي يوجه هذه القوة الكامنة هو الإنسان ، ذلك المكلف ، وأنهيت سيدي الكريم الحلقة الماضية قبل الفقرة العلمية بقضية أكدت عليها ؛ بأن الإنسان مخير لا مسير ، وإلا فلا معنى لهذا البرنامج ، ولا لحلقاته ، ولا معنى لمسألة العقاب والجنة والنار ، ولا معنى للتبليغ والرسالات والأمانة وكل شيء . باعتبار أن كل الأشياء كما مر معنى في الحلقات الماضية ، كل الأشياء ، وكل الخصائص هي حيادية ، وأن الإنسان العاقل في هذه المعادلة هو الذي يتجه بها باتجاه الخير ، أو باتجاه الشر باتجاه ، نماء وعطاء ، أو باتجاه وضاعة ، كيف نكمل هذه المسألة التي لم نشبعها بحثًا في نهاية الحلقة الماضية .الدكتور راتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .الحظوظ الدنيوية حيادية تسير باختيار صاحبها :
أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، نحن وصلنا إلى أن الإنسان مخير ، الآن ننتقل من جزء إلى كل ، لأن الإنسان مخير كل شيء في حياته حيادي ، مثلاً : الحظوظ ، الوسامة حظ ، قد تكون وسيلة لالتفاف الناس حول هذا الإنسان ليأخذ بيدهم إلى الله ، وقد تكون لإغوائه ، المال حظ كما تكلمن سابقاً ، طلاقة اللسان حظ قد تكون لتعزيز الحق ، وتدعيمه ، وقد تكون لترويج الباطل فيحب أن نعتقد أن كل حظ آتاه الله للإنسان من وسامة إلى ذكاء إلى غنىً ، إلى قوة إلى قدرات خاصة ، الخطابة قدرة ، والعلاقات الاجتماعية النامية قدرة ، الذكاء الاجتماعي قدرة ، فهناك قدرات عامة ، وهناك قدرات خاصة جداً ، هذه القدرات يجب أن نعلم علم اليقين أنها يمكن أن توظف في الحق كما يمكن أن توظف في الباطل عن طريق الأدب ، وهو التعبير المثير عن حقائق الحياة ، يمكن أن يكون الأدب إباحياً يسهم في تقويض دعائم أمة ، وقد يكون الأدب ملتزماً يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين . مرة قرأت لأديب كلمة أعجبتني ، من حق الفنان أن يصور الرذيلة على نحو تشمئز منها ، فإذا صورت على نحو يحبها فإن مجتمعاً بأكمله يسقط من هذا الفيلم ، العبرة أن تصور الرذيلة لا على نحو نعجب بها ، ولا على نحو نتأثر بها ، ولا على نحو نصبو أن نكون من أبطالها ، ينبغي أن تصور الرذيلة على نحو نشمئز منها ، ونحتقرها ، ونزدريها ، الفن أيضاً يوظف في الخير والشر ، تقرأ قصة تنتهي من قراءتها خلال أسبوعين أو ثلاثة ألف صفحة ، بعد أن تنتهي تتثاءب ، وتنام ، وقد تقرأ قصة بعد أن تنتهي منها تبدأ متاعبك مع نفسك ، تضعك أمام مسؤولياتك ، أمام الأهداف التي خلق الإنسان من أجلها ، فالأدب والفن كل شيء أستاذ علاء من خصائص الإنسان من حظوظه ، بدءًا من شكله ، قوة ، ذاكرته ، توظف في الخير وفي الشر ، طلاقة لسانه ، ذكاءه الاجتماعي ، ذكائه التحصيلي ، يحمل أعلى شهادة ، قد يبتز أموال الناس بها ، وقد تكون هذه الشهادة في بناء مجتمعه ، أي شيء تتصوره من حظوظ الإنسان المادية والمعنوية والاجتماعية والانفعالية والجمالية هذه حيادية ، توظف في الخير ، وتوظف في الشر ، قال تعالى :﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
( سورة هود : 7) هذه الحظوظ .الأستاذ علاء : عفواً سيدي ، قبل أن ننتقل ، هنا في قضية قد تخطر في البال ، هذه الحظوظ هي أيضاً عندما يُعطاها الإنسان هي للامتحان ، الإنسان خلقه الله وسيماً ، وخلق آخر بدمامة خلقه قبيحاً ، هل الوسامة هي امتحان لهذا الإنسان ؟ الدكتور راتب :الوسامةُ والدمامةُ مادةُ امتحانٍ :
نعم سيدي ، كل شيء خصك الله به هو مادة من مواد امتحانك ، فإما أن تنجح ، وإما أن ترسب ، النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى المرآة فقال :(( اللهمَّ كَمَا حسَّنْتَ خَلْقي فحَسِّن خُلُقِي ))
[ البيهقي عن عائشة ] إذا كان الإنسان وسيمًا ، مقبول المنظر عند الناس ، فهذه نعمة كبيرة ، إن شكر الله عليها ، ولم يتكبر ، ولم يغوِ بها أحداً ، ولم يستخدم هذه الوسامة لإغواء فتاة مثلاً ، يرقى بهذه الوسامة ، استخدمها ليكون نجماً متألقاً في المجتمع ، فإذا خص الله إنسانا بالدمامة ، حينما يصبر ، وحينما يرى هذا من فعل الله عز وجل يرقى بها . مرة كان أحد الرجال يطوف حول الكعبة ويقول : " اللهم ارزقني محبتك ورضاك ، كان وراءه الإمام الشافعي ، قال : يا هذا ، هل أنت راض عن الله حتى يرضى الله عنك ؟ قال : يا سبحان الله ! من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا محمد بن إدريس ، قال : كيف أرضى عنه ، وأنا أتمنى رضاه ؟ فقال الإمام الشافعي : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله " . الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ، هذا الذي لم يكن وسيماً ألطف عبارة لما رأى هذا بحكمة أرادها الله ، فكان يتجمل بأخلاق رضية ، وقد كان أحنف بن قيس قصير القامة ، أسمر اللون ، صغير العينين ، غائر العينين ، ناتئ الوجنتين ، أحنف الرجل ، مائل الذقن ، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذٌ منه بنصيب ، وكان مع ذلك سيد قومه ، إذا غضبَ غضِبَ لغضبته مئة ألف سيف ، لا يسألونه فيمَ غضب ؟ وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه ، وله موقف لطيف ، حينما أراد معاوية بن أبي سفيان أن يأخذ البيعة لابنه يزيد ، فكان في مجلس ضم علية القوم ، والكل أثنى على يزيد ، وبقي الأحنف ساكتاً ، فقال : تكلم يا أحنف ، قال : أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت . فهذا الأحنف بن قيس أوتي من كل أنواع الدمامة من صفات ، ومع ذلك كان سيد قومه ، لذلك الأمة التي تعتمد العلم والعمل ، ولا تعبأ بالمقاييس الأخرى التي يعتمدها الناس للترجيح بين بعضهم بعضاً ، هذه أمة سوف تكون في طليعة الأمم ، أما الأمة التي تعتمد مقياساً المال ، تعتمد مقياس النسب فقط بدون مضمون فهذه أمة تمشي في طريق الهاوية .الأستاذ علاء : هل نعتبر كما يقول كثير من الدعاة هذه قشور ، الآن من خلال حديثكم سيدي الكريم علينا ألا نتعلق بها كأساس كتقييم .الدكتور راتب : الجميل جميل ، والدميم دميم ، لا يمكن أن يكون الدميم أقل مرتبة عند الناس إذا كان أكثر عطاءً من الجميل .الأستاذ علاء :الوسامة والدمامة ليست معيارا تقييميًّا :
لكن هذه ليست من القشور وإنما هي درجات امتحان ، والامتحان ليس بالقشور الامتحان له ، قيمة إما أن ينهض به الإنسان ، وإما أن يفشل .الدكتور راتب : لو أخذنا الموضوع بشكل تفصيلي ، لو أن امرأة بارعة الجمال غوت ، وأغوت ، واستخدمت جمالها لإغواء من حولها ، ولم تكن ملتزمة لا بمبدأ ولا بقيمة ، ولا بشرع ، وكان من ضحيتها مئات ، وامرأة ليست جميلة ، كانت أماً وزوجة مخلصة ، ربت أبنائها ، واعتنت بهم ، قلامة ظفر الثانية بمئة ألف رجل وسيم ، أو بمئة ألف ملكة جمال ، الثانية التي ربت أولادها ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :(( أول من يمسك بحِلق الجنة أنا ، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت : من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها ، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهن ))
[ورد في الأثر ] أنا أخاطب الإخوة المشاهدين ، ولا سيما الأمهات ، الأم حينما تربي أولادها تربية أخلاقية إيمانية علمية نفسية اجتماعية شهاداتها العليا أولادها ، وقبل أيام كنت في زيارة لأحد الإخوة الكرام ، فوجئت أن كل إخوته يحملون أعلى الشهادات ، ويحتلون مناصب في الجامعة عالية جداً ، فأرادت الأم أن تسلم علي ، قالت : أنا أمية يا بني ، وزجي أميٌّ ، قلت لها : لست أمية ، شهاداتك أولادك ، فالأم التي تربي أبنائها هي في أعلى مقام عند الله عز وجل ، لكن نحن في مجتمع ظالم ، أحياناً يقيس المرأة فقط بجمالها ، وهذا خطأ كبير ، والله عز وجل لحكمة بالغة جعل هذا التفاوت . أنا قلت قبل قليل : الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء . السيد علاء ، مثلاً : الفرق بين إنسان يبيع الصحون في سوق ، وبين رئيس غرفة تجارة ، صفقاته بالمليارات ، مثلاً ، بين مجند ورئيس أركان ، بين ممرض وجراح قلب ، بين معلم بقرية وأستاذ جامعة ، بينهم تفاوت كبير جداً ، اقرأ قوله تعالى :﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء ) مراتب الدنيا مؤقتة ، لكن مراتب الآخرة أبدية ، مراتب الدنيا تعني شيئاً ، وقد لا تعني شيئاً .الأستاذ علاء : سيدي ، من هنا جاء التعبير القرآني يمتدح الآخرة دون التعرض للدنيا ، هذه إشارة .الدكتور راتب : أنا لي قاعدة ، أستاذ علاء ، إنني في أي مؤسستين ، أو أي شخصين ، أو أي كيانين أو أي تجارتين ، أو أي مشروعين ، لا أقبل أن أوازن بينهما إلا إذا أضفت الآخرة لكل منهما ، لو فرضنا مكانا فيه لهو ، وانحراف ، وانحلال ، وإباحية ، والدخل بالملايين ، ومكان آخر محل متواضع جداً ، يبيع بضاعة الناس بحاجة إليها بسعر معتدل ، بضاعة جيدة ، لا فيها كذب ، ولا تدليس ، فدخْلُ هذا واحد بالمليون من الدخل الأول ، أضف الآخرة إلى الجهة الفاسقة الماجنة ، وأضف الآخرة إلى الجهة المستقيمة من الرابح ؟ العبرة في النهاية ، ليست العبرة بمن الذي يضحك أولاً ، العبرة بالذي يضحك آخراً ، من ضحك أولاً ضحك قليلاً ، وبكى كثيراً .الأستاذ علاء : سيدي الكريم ، يتساءل المرء هذا الذي أوتي حظاً لم يفهم هذا الحظ بأنه مرقى من مراقي الامتحان ، إنما يستخدمه الاستخدام الفاسد نحو الشر ، هل لعدم فهم ، هل لقصور ، أم لتكبر ؟ الدكتور راتب :الجهلُ والكِبرُ من أسباب استخدام الحظوظ في الأغراض الفاسدة :
الحقيقة إما أنه لجهل أو لكبر لكن أستاذ علاء معاصي الجهل ، قال تعالى :﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
( سورة الأنعام) فرق كبير بين معصية آدم عليه السلام ، فنسي ، ولم نجد له عزماً على المعصية ، وبين معصية إبليس ، أبى واستكبر ، فرق كبير بين معصية الكبر معصية التأبي على الله وبين معصية الغلبة والجهل ، لذلك الجاهل يتعلم . لي كلمة أقولها دائماً : ليس العار أن تكون جاهلاً ، العار أن تبقى جاهلاً ، ليس العار أن تكون مخطئاً ، العار أن تبقى مخطئاً ، فلذلك الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء . أرأيت إلى ما يلعب به الصغار ، القلابة ، الإنسان يكون في الدنيا في أعلى عليين ، في الآخرة قد يكون الإنسان في الأسفل ، الذي يبني مجده على تجارة المخدرات ، الآن ثبت أن أكبر تجارة في العالم تجارة المخدرات ، من مكان زراعة المخدرات إلى مكان تسويقها مئة ألف ضعف ، ومع ذلك هذا التاجر محتقر عند الله وعند الناس ، لذلك نحن عواطفنا لا ينبغي أن تكون مقتبسة من شبكية العين ، أن ترى بيتاً فخماً ، أن ترى بيتاً متواضعاً ضيقاً ، لكن صاحبه دخله مشروع ، ومنضبط ، ومعطاء للمجتمع ، فلا بد أن تُبدَّل موازين الترجيح عندنا بموازين قرآنية ، قال تعالى :﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
( سورة الأنعام)المقاييس القرآنيةُ أصلُ التقييمِ :
البطولة أن تأتي مقاييسك لتقيم من حولك وما حولك مقتبسة من مقاييس القرآن الكريم ، لذلك سيدنا عمر لما وجد إنسانا وضع سيفه على عاتقه ، وهو عمير بن وهب ، وجاء ليقتل محمداً ، فقال عمر : هذا عدو الله عمير ، جاء يريد شراً ، فكتّفه بحمالة سيفه ، وساقه إلى النبي الكريم ، قال : هذا عدو الله ، جاء يريد شراً ، قال : يا عمر ، أطلقه ، فأطلقه ، قال : ابتعد عنه ، فابتعد عنه ، قال : ادنُ مني يا عمير ، فدنا منه ، قال : سلم علينا ، قال : عِمْتَ صباحاً يا محمد ، بجفاء ، قال له : ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال : لأفدي ابني ، قال : وهذه السيف التي على عاتقك ، عمير بن وهب كان قد خاطب صفوان بن أمية بمكة ، قال له : والله لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها ، ولولا أطفال صغار أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمدا ، وأرحتكم منه ، فقال صفوان : امضِ لما أردت ، أما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر ، وأما ديونك فهي علي بلغت ما بلغت ، فلما قال له النبي عليه الصلاة والسلام : وهذه السيف التي على عاتقك ، قال : قاتلها الله من سيوف ، وهل نفعتنا يوم بدر ؟ قال له : ألم تقل لصفوان كذا وكذا ، فوقف ، وقال : أشهد أنك رسول الله . الشاهد هنا : يقول سيدنا عمر : دخل عمير على رسول الله والخنزير أحب إلي منه ، وخرج من عنده وهو أحب إلي من بعض أولادي .الأستاذ علاء : انتقل من حال إلى حال ، عندما جاء ليقتل النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم عندما وقع الإيمان في قلبه ، فاستحال إلى إنسان آخر .الدكتور راتب : بقي موضوع صغير ، الآن غير الحظوظ الخصائص الإنسان يغار ، أيام كتاب أو أدباء أو علماء نفس يتوهموا أن الشر مزروع في أصل النفس وهناك بيت من الشعر يقول :الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد ذا عِــفَّةٍ فَلِعِلَّـةٍ لا يَظلِــمُ
الأستاذ علاء : سيدي ، هذا الموضوع لا نريد أن نأخذه في وقت قصير ، لأن الوقت أدركنا ، وصار وقت الفقرة العلمية ، هذا الموضوع نبتدئ به في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى . ماذا اخترت لنا سيدي ؟الدكتور راتب :الموضوع العلمي : ظاهرة التمويه عند الحيوانات :
التمويه في أعماق البحار :
1 – الأخطبوط مَلِكُ المُمَوِّهين في البحر :
نتبع موضوع التمويه موضوع مهم جداً ، الحقيقة أنه لا يقتصر وجود المهارة بالتمويه على الغابات والثلوج ، كما رأينا في الحلقة السابقة ، بل يمكن أن نجدها في أعماق البحر في الوقت نفسه ، ولعل الأخطبوط أمهر مموه في البحار .2 – صورٌ من تمويه الأخطبوط :
بعض الأنواع من الأخطبوط تحقق تناسقاً تاماً مع لون وشكل أرضية البحر التي تعيش فيه ، هذا الأخطبوط الذي نتابع رؤيته مقلّد ماهر إلى أقصى حد إلى جانب تقنية التمويه الفائقة لديه ، عندما يمر بأرضية بحر رملية يصعب عليه معها التمويه يبدأ باستخدام إمكانية تقليد الطحلب ، أحياناً يصل تغيير شكل الأخطبوط إلى درجة لا يمكن تمييزه من الصخرة التي يلتصق بها . إنه شيء لا يكاد يصدق ، أستاذ علاء ، على هذه الصخرة أخطبوط آخر ، إلا أنه يستحيل التمييز بينه وبين الصخرة ، هذا سوف نراه بعد قليل ، يقف أخطبوط على صخرة في البحر لا يمكن أن نميزه عنها إلا إذا تحرك ، أمّا إذا جمد في مكانه كان كالصخرة تماماً ، هذا السبق لأول وهلة يقف ، وكأنه اختفى داخل الطحلب ، حيث تظهر الحقيقة إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً ، فلم يكن أمامنا طحلب ، بل حصان بحر على شكل طحلب ، قد نجد حصان بحر على شكل نبات .3 – تمويهات إسفنج البحر :
الذي يرى كأنه إسفنج بحر لأول وهلة هذا الكائن الحي هو في الحقيقة سمكة بفضل هذه الحاسة الخاصة لتحقيق وظيفة صنارة تستطيع اصطياد الأسماك الصغيرة ، الحقيقة في البحر عجائب ، البحر في تقريباً مليون نوع من الأسماك ، فرس البحر على شكل نبات تماماً ، الحقيقة في البحر مليون نوع من السمك ، والبحر من عجائب الدنيا ، والله عز وجل جعله أربعة أخماس الأرض ، لأن لولا هذه المساحات الواسعة لما كانت أمطار على سطح الأرض ، لا بد من مسطحات مائية كبيرة ، البحر أيضاً شيء دقيق جداً ، وهو أداة اتصال بين القارات ، لأنه طرق معبدة . يرى أحياناً إسفنج البحر لأول وهلة هذا الكائن الحي هو في الحقيقة سمكة بفضل هذه الحاسة الخاصة كما قلت قبل قليل ، هنا سوف نرى على الغصن نتوءان ، لكن أحدهما في الحقيقة عنكبوت مموهة في وقت الخطر ، تموه نفسها مرة أخرى بنتوء الغصن الحقيقي ، ليس لهذه العنكبوت إمكانية التفكير ، فكيف تتمكن من التموه بنتوء الغصن ؟ انظر أستاذ علاء ، لملمت نفسها ، وسكنت ، وكأنها نتوء في غصن ، مَن علمها ؟ من أرشدها ؟ من هداها إلى مصالحها ؟ من هداها كي تتقي خطر أعداءها ؟4 – تمويهات بعض الحشرات في البحر :
الحقيقة هناك أمثلة لا تنحصر ، في العناكب فقط ، فمثلاً هنا حشرة مختبئة بين هذه الأوراق ، إنها هنا تماماً ، فلنلاحظ أنه لا يوجد أي فرق بينهما ، فجسمها كالورقة تماماً ، هي حشرة وكأنها ورقة ، مِن شكل الورقة إلى عروقها خلقت بدون أي نقصان ، هي حشرة تبدو ورقة ، هنا حشرة بين هذه الأوراق الصفراء ، طبعاً قد تكون الأوراق يابسة وصفراء ، لنحاول الآن إيجادها ، هذه هي حشرة مموهة ببراعة ، ومن الصعب جداً رؤيتها على الورقة ، جناح الحشرة له تفصيلات دقيقة ، حتى البقع الفاسدة على الورق المصفر ، ولنفكر الآن قليلاً بتصميم هذا التمويه ليس لدى هذه الحشرة إمكانية التفكر ، ولا تعلم مدى احتياجها إلى التشبه بالأوراق لبقاء حياتها ، حتى لو علمت لا تستطيع رسم شكل ورقة عليها ، فإذاً : الرسم الموجود على جناح الحشرة المصممة بشكل واع أثر من ؟ إنها قدرة الله عز وجل ، لا شك هذا الرسم آية من آيات الله الدالة على عظمته .إنه الله ربُّ وخالق العالمين :
والتفكر في خلق السماوات والأرض من أرقى العبادات ، بل هو العبادة الأولى ، لأن تفكر ساعة يعدل أن تعبد الله ثمانين عاماً ، لأن الله عز وجل يقول :﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
( سورة الزمر : 67) وهذا هو الفرق بين العلماء والعُبّاد ، العابد ينفع نفسه ، أما العالم فحينما يعرف الله ، ويعرِّف الناس بالله يرقى بهم ، ويرتقي هو أيضاً عند الله بهذه الدعوة .الأستاذ علاء :﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ﴾
( سورة آل عمران : 191)الدكتور راتب : هي حشرة وكأنها ورقة تماماً ، الحقيقة هذه المشاهد لا تكاد تصدق ، لكنها واقعية ، حشرات كالأوراق تماماً من أجل التمويه ، إذاً : هناك معارك أيضاً بين النباتات والحشرات ، لكن داروين يزعم بنظريته التي سقطت لا عندنا ، بل عند الغرب ، يزعم أن جميع الكائنات في الطبيعة وجدت نتيجة لمصادفة عمياء ، ولكن حتى التصميم الذي على أجنحة هذه الحشرة الصغيرة لم يكن مصادفة ، بل هو كاف لرؤية أثر الخالق العظيم ، لو شمر فنان لرسم الورقة لا يستطيع أن يرسمها لتبدو كالحقيقة إلا أنها هنا ليست مجرد صورة ، بل هي أنموذج مصغر لورقة منسقة بالأبعاد الثلاثة في جسم الحشرة ، خالق هذا الكائن بهذا الشكل هو الله عز وجل ، هذا التصميم الخارق يرينا فيه صنعته وقدرته ، إنه رب العوالم كلها ، الله جل جلاله وتعالى ذكره . الحقيقة أن الصور لها قوة تعبيرية تفوق مئتي كلمة ، المئتا كلمة تساوي القوة التعبيرية ، هذا الجسم المتحرك على الغصن لأول وهلة يطابق ورقة جافة شكلاً ولوناً ، إلا أنه ليس كذلك ، بل هو شرنقة ، فراشة جافة ، وبفضل تقنية التمويه الفائقة التي وهبها إياها الله تعالى في أثناء وجودها دودة في الشرنقة ، حيث ليس لها أي دفاع ، يتم نموها وتطورها بشكل رائع جداً ، وهي في وقاية من أعدائها . شيء آخر سوف نرى بعد قليل ، طبعاً هذه شرنقة كأنها ورقة يابسة تماماً ، لكن فيها دودة ، الآن أمام نبات اسمه الأوركيدا ، هذا المنظر الذي ترونه أيها الإخوة المشاهدون ليس كله لها ، بل هناك كائن آخر منسجم مع شكل هذه الزهرة ، حتى مع درجات لونها ، إنها الحشرة المسماة فرس النبي ، بتمويه مدهش ، هذه حشرة ، ومع زهرة بألوان الزهرة ، وبأشكالها تماماً ، ويكمل الشبه من جهة اللون والشكل والنقش ، وهو قطعاً ليس من تصميمها ، إنه خالق كل شيء ، الله تعالى تتجلى لنا صنعته مرة أخرى بهذا المثال ، وقد قال الله في كتابه الكريم :﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
( سورة السجدة : 7)﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
( سورة النمل : 88)الأستاذ علاء :خاتمة وتوديع :
لا يسعنا أعزائي المشاهدين إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، وإن شاء نكمل مسألة كنت قد وقفت عندها ، والحقيقة أردت أن لا تمر هكذا سراعا ، أردنا أن نقف عندها ، وهي مسألة الخصائص ، هل هي حيادية ، وبدأت بالغيرة الإنسان يغار من مسألة معينة ، وكيف يستخدم هذه الخصيصة وهذه القضية ، إن شاء الله نلتقي في الحلقة القادمة ، شكراً لك وسلام الله عليك ورحمته وبركاته .والحمد لله رب العالمين