(... وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ *) بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2012-03-13
بسم الله الرحمن الرحيم
من أسرار القرآن الكريم :
(417) (... وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ *)
(إبراهيم:5).
بقلم
الدكتور زغلول/ راغب النجار
هذا النص القرآني الكريم جاء في بدايات سورة "إبراهيم", وهي سورة مكية, وآياتها ثنتان وخمسون بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لما جاء فيها من تفصيل لدعوة عبد الله ورسوله إبراهيم- عليه السلام- للبلد الحرام, ولنفسه, ولذريته من بعده, وابتهاله إلى ربه, وشكره على عظيم نعمه. ويدور المحور الرئيس لسورة "إبراهيم" حول قضية العقيدة, شأنها في ذلك شأن كل السور المكية.
هذا وقد سبق لنا استعراض هذه السورة المباركة, وما جاء فيها من ركائز العقيدة , والإشارات العلمية , ونركز هنا على وجه الإعجاز التشريعي في النص الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال من الآية الخامسة في سورة "إبراهيم".
من أوجه الإعجاز التشريعي في النص الكريم
يقول ربنا- تبارك وتعالى- : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ *) (إبراهيم:5).
وهذه الآية الكريمة جاءت بعد خطاب موجه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مطلع السورة يقول له فيه ربنا- تبارك وتعالى- : ( الـر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ *) (إبراهيم:1).
وفي هاتين الآيتين الكريمتين تأكيد على وحدة رسالة السماء , وعلى الأخوة بين الأنبياء , وذلك انطلاقا من وحدانية الخالق- سبحانه وتعالى- ومن الأخوة بين الناس جميعا الذين خلقهم ربهم من أب واحد وأم واحدة هما آدم وحواء (عليهما السلام).
وفي الآية الأولى من هذه السورة الكريمة يوجه ربنا- تبارك وتعالى- الخطاب إلى خاتم الأنبياء والمرسلين- صلى الله عليه وسلم- بالأمر الإلهي (لتخرج الناس), وفي الآية الخامسة يأتي الأمر الإلهي إلى موسى- عليه السلام- بقول ربنا- تبارك وتعالى- له: (أن أخرج قومك). وفي ذلك تأكيد على عالمية الرسالة المحمدية الخاتمة , وعمومها بينما كانت كل الرسالات السابقة محدودة بحدود قوم كل منها أي : بحدود كل من الزمان والمكان.
وفي قوله- تعالى- : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ...*) والتعبير القرآني (بآياتنا) هنا "التوراة" وعدد من الآيات الحسية (المعجزات) التي أيد الله- تعالى- بها عبده ورسوله موسى بن عمران (على نبينا وعليه من الله السلام). وكذلك فإن في قول ربنا- تبارك وتعالى- لعبده موسى: (... أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ...*) وتعبير (قومك) هنا يشمل كلا من بني إسرائيل وأهل مصر, وكان كل منهم قد انحرف عن دين الله. ولفظة (الظلمات) مستعارة للكفر والشرك ولارتكاب ما يصاحب ذلك من المعاصي, كما أن لفظة (النور) تعبر عن الإيمان الحق , والتخلق بمكارم الأخلاق , والتحلي بطهارة السلوك . وقوله – تعالى- (... وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ...*) فيه دعوة إلى إزالة النسيان, ولما كان التذكير هنا مصاحبا بشئ من الإنذار والوعظ , أضيف حرف الباء على كلمة أيام, ليصبح المعنى : يا موسى ذكر قومك بأيام الله . تذكير عظة واعتبار بنعم الله- تعالى- عليهم.
والمقصود بتعبير (أيام الله) هي أيام ظهور طلاقة قدرته للعيان, حين يهلك الكفار والمشركين, وينصر جنده من عباده المؤمنين , حتى لو لم تكن معهم الغلبة في العدد والعدة, وقد تكرر ذلك مرات عديدة عبر تاريخ البشرية على الأرض, وإلا فالأيام كلها لله , لأنه هو- تعالى- خالق كل شئ , ومن مخلوقاته : الزمان والمكان.
وفي قوله- تعالى- (... إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ *) يعني : أن في التذكير بأيام الله- بكل ما وقع فيها من الابتلاءات والنعم- لآيات لكل صبار شكور, لأن الصبر مناسب لحالات الابتلاء, واللفظة (صبار) صيغة مبالغة من (صابر) أي شديد الصبر, و(شكور) أي كثير الشكر, وهو تعبير مناسب لحالات الإنعام الإلهي. وبينما الإنعام يحض النفس البشرية على الشكر, فإن الابتلاء يدفعها إلى مخالفة هواها خشية الوقوع في المعاصي, والتعرض للعقاب الإلهي. وأيام الله تشمل يوم الجمعة الذي قال فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "خير يوم طلعت عليه الشمس, يوم الجمعة , فيه خلق آدم , وفيه أدخل الجنة , وفيه أخرج منها , ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة " ( صحيح مسلم/1977).