"حسن الخاتمة"
يقول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}, [سورة إبراهيم: 27].
وقال ربنا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}, [سورة فصلت:30], تتابع حرف التاء في تتنزل يشير إلى تكرار التنزل عليهم، قَالَ وَكِيعٌ وَابْنُ زَيْدٍ: تتنزل عليهم الملائكة بالبشرى فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْمَوْتِ, وَفِي الْقَبْرِ, وَعِنْدَ الْبَعْثِ.
حسن الخاتمة: أن يُوفَق العبد قبل موته لعمل الصالحات والطاعات فيموت عليها.
وضدها, سوء الخاتمة: وهي أن تكون وفاة الإنسان وهو مُعْرِض عن ربه، يفعل المعاصي والموبقات فيموت عليها.
قال رسول الله صلى اللله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ»، قيل: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قال: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قبل موته, ثم يقبضه عليه», [أخرجه الترمذي].
أَسبَابُ حسن الخاتمة أربعة:
أولها: الابتعاد عن المحرمات: قال تَعَالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}, [سورة البقرة: 229].
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِن ذَنبٍ أسرَعَ من أَن يُعَجِّل الله عقوبتَه من البَغي, وقطيعةِ الرَّحم», [أخرجه الترمذي].
ذكر ابن القيم في الجواب الكافي أنه قيل لرجل عند الموت قل: "لا إلهَ إلا الله"، فقال: "عشَرةٌ بأحدَ عشَر"، -وكان مرابيًا-.
الثاني: المحافظة على الواجبات: كالنفقة على الزوجة والأبناء, وبر الوالدين, والصلاة والصيام ..., قال صلى الله عليه وسلم:«ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه», [أخرجه البخاري], أما من ترك الفرائض والواجبات وتهاون فيها فإنه يُخشى عليه من سوء الخاتمة.
ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "الجواب الكافي", أن أحد الناس قيل له وهو في سياق الموت: "قل: لا إله إلا الله"، فقال: "وما يغني عني وما أعرف أني صليت لله صلاة؟!", ثم قضى ولم يَقُلها.
ثالثها: المداومة على المستحبات: قال تَعَالى: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}, [سورة الأنعام: 48].
وقال r: «صَنَائِعُ المعروفِ تقِي مصارعَ السّوء», [رواه الحاكم], ومعلوم لديكم أن المرء يموت على ما عاش عليه.
وفي صفة الصفوة: عن هشام بن عروة قال: كان أبي كثير الصوم، ولقد مات يوم مات وهو صائم.
الرابع الأخير: الدعاء وحسن الظن بالله: عن أمير المؤمنين عُمَر رضي الله عنه قال: "اللَّهمَّ ارزقني شهادة في سَبِيلك، واجعل موتي في بَلدِ رسولك", قالت حفصة: فقلت: "أنَّى يكون هذا؟", قال: "يأْتِيني به اللهُ إِذَا شاء", [أخرجه البخاري], فكان أن كتب الله له الشهادة في المدينة المنورة كما تعلمون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أنا عند حسن ظن عبدي بي», [أخرجه البخاري ومسلم].
ومن هنا كان الإمام سفيان الثوري يقول: "ما أحب أن حسابي جُعل إلى والدتي، ربي خير لي من والدتي".
والحمد لله ربِّ العالمين