غرناطة .. الموقع الجغرافي
تقع مدينة غرناطة في الجنوب الشرقي من إسبانيا، محمية من الشمال بمرتفعات مطلة على نهر الوادي الكبير، ومن الجنوب بنهر "شنيل Genil"، الذي ينبع من جبال "سييرا نيفادا erra Nevada"، أي جبال الثلج، وفرعه نهر "حدّره أو الدارو Eldarro"، الذي يخترق وسط المدينة. تبعد عن البحر 70كم، وارتفاعها عنه ما بين 650ـ750م، ومناخها متوسطي معتدل.
لعل اسم غرناطة مأخوذ من كلمة غرانادا الإسبانية، التي تعني شجر الرمان وثماره، أو من كلمة غرناطة العربية، التي تعني تل الغرباء.
غرناطة .. تاريخ قديم
يصعب تحـديد تاريخ شافٍ لمدينة غرناطة، لكن المعروف أن أول من سكن منطقتها، بعض قبائل الإيبيروس، حيث اتخذوا من المغاور في سفوح الجبال مأوًى ومسكناً. وعندما مرّ بها الفينيقيون، أسسوا قربها محطة تجارية. وأطلق اليونان على تلك البقعة "أليبيري Elybirge"، وجعل الرومان من منطقة "أليبيري" عاصمة إقليمية، وأتى بعدهم الواندال (الفاندال) فالقوط الغربيون فالعرب المسلمون حتى سنة 898هـ/1492م، عندما سقطت غرناطة في أيدي الإسبان.
ارتبط تاريخ غرناطة بموقعها الجغرافي، الذي يمتاز باستراتيجية خاصة، فالمرج الفسيح، الذي تخترقه الجداول والأنهار، وتتزاحم فيه البساتين، كثيراً ما كان يُغري الغزاة القادمين بحراً من الشرق والجنوب، باقتحامها. أما سلسلة الجبال العالية، في الجهة الشمالية، غالباً ما كوَّنت سوراً طبيعياً، وحصناً منيعاً أمام الهجمات.
التاريخ الإسلامي لغرناطة
كان الوجود العربي الأطول زمناً، والأكثر تأثيراً في غرناطة، فالعرب المسلمون دخلوا إليها في أثناء فتحهم الأندلس، بداية القرن الثامن الميلادي، وبعد سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية سنة 132هـ/750م، تأسست في الأندلس الإمارة الأموية سنة 138هـ/755م، وتحولت إلى خلافة سنة 316هـ/928م.
ومنذ بداية القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي ظهرت دول الطوائف، ومنها دولة غرناطة، وأصحابها بنو زيري الصنهاجيون 412/483هـ، حيث أسس هذه الدولة حبوس بن ماكس، ثم خلفه ابنه باديس، الذي استولى على مالقة من بني حمود، بعد نزاع طويل مع ابن عباد صاحب إشبيلية.
ولما توفي باديس، خلفه عبد الله، الذي تجدد في عهده النزاع مع بني عباد، وفي عهده سقطت المملكة بيد المرابطين سنة 483هـ/1091م، ثم بيد الموحدين سنة 551هـ/1156م، وبعد ذلك بدأت قصتها المميزة على يد بني نصر عندما استولى محمد بن يوسف بن أحمد بن نصر على غرناطة سنة 632هـ/1235م، وجعلها عاصمة لإمارته، وعرفت بدولة بني الأحمر (أو دولة غرناطة)، وتوالى على حكمها (16) أميراً، كان آخرهم أبو عبد الله محمد بن علي، الذي سلم مفاتيح المدينة إلى ملكي أراغون وقشتالة "فرناند وإيزابيلا" سنة 897هـ/1492م. وسمح للمسلمين بالاحتفاظ بعقيدتهم في بادئ الأمر، ولكنهم أجبروا بعد فترة قصيرة على اعتناق المسيحية أو الخروج من إسبانيا. وأطلق على المسلمين، الذين تنصروا اسم الموريسكوس، لكنهم بقوا يمارسون عقيدتهم سراً، فتعرضوا لاضطهادات كبيرة، مما دفعهم إلى القيام بالثورة ضد سياسة عدم التسامح عدة مرات (1502م، 1568م، 1710م).
الآثار الإسلامية في غرناطة
يوجد في غرناطة آثار من العهود القديمة كالمعابد والمغاور وبعض الرسوم، وكنيسة "القديس سيسيليو San Cecilio"، التي تعود إلى القرن الأول المسيحي، لكن معظم الآثار الموجودة فيها، تعود إلى عهد الدولة العربية الإسلامية، وخاصة عصر بني الأحمر، وأهمها:
قصر الحمراء
فوق تلة السبيكة، في الجنوب الشرقي من المدينة، والمطلة على السهل الفسيح، بنيت مدينة "ألبيري" القديمة، وهناك أقام زاوي بن زيري قلعته، وعلى أنقاضها شيد الأمير محمد بن يوسف (629ـ 671هـ/1232ـ 1273م) قصراً، يدعى الحمراء للونه، ما يزال حتى اليوم من عجائب الفن المعماري؛ وهو مجموعة من الأبنية المكونة من أعمدة وغرف وشرفات وممرات وساحات موادها من الخشب والآجر والرخام وقد نقشت على البوابات وداخل القاعات وعلى الأعمدة وأفاريزها كتابات عربية وآيات قرآنية وأقوال وأشعار وشعارات.
يتألف القصر من ثلاثة أقسام:
أ ـ القسم العسكري، شمال شرقي القصر، له أبراج، منها مايصل ارتفاعه إلى (26) متراً.
ب ـ القصر الملكي في الوسط، وفيه المقصورة للأعمال الإدارية والقضائية، ودار الحريم، وبيت السلطان، وفيه قاعة كبيرة، جدرانها الداخلية مليئة بالنقوش والكتابات.
جـ ـ الحمراء العليا، المؤلفة من بيوت، وفيها مسجد، ودار السكة.
ويوجد في القصر كثير من الغرف والنوافير والحدائق والساحات والحمامات الملكية، المرصوفة بالرخام الأبيض. وتكثر فيه أيضاً تماثيل الأسُود، حتى إنه خصصت للأسود باحة فيها نافورة، حوضها المرمري مستدير الشكل، تحمله مجموعة تماثيل لاثني عشر أسداً. ويوجد بأسوار الحمراء أبواب عدة، أهمها: باب الشريفة، النبيذ، السلاح، الحديد. وداخل الأسوار ثمة بيوت متفرقة، عربية الطراز. (ابتداءً من سنة 1938م أصبح القصر تابعاً لوزارة التربية والفنون الجميلة).
shapew4e.jpg
ممكلة غرناطة في الأندلس
ممكلة غرناطة في الأندلس
قصر جنّة العريف
شمالي الحمراء، بني أواخر القرن 13م، وخصّص لراحة الأمراء غرفه صغيرة، وتكثر فيه الممرات والحدائق، والمياه تتدفق في كل مكان، القصر لوحة فنية مكونة من الأجر والجص والنبات والمياه. وقد أصبح ملكاً للدولة منذ عام 1921م.
قصر شنيل
بني على ضفة نهر شنيل اليسرى، خارج المدينة، زمن الموحدين، سنة 615 هـ/1218م، ونقش على بابه شعار بني الأحمر "ولا غالب إلا الله".
حي البيازين (البائسين) Albaicín
أكبر الأحياء الغرناطية، وأكثرها احتفاظاً بطابعه الأندلسي، مازالت فيه الشوارع والبيوت، تحتفظ بطابعها العربي، يقع شمال شرقي المدينة، على هضبة منفصلة عن الحمراء بوادي نهر الدارو. اختلفوا في تفسير التسمية، يقول بعضهم، إن اللاجئين من مدينة بايسة -بعد سقوطها بيد الإفرنج سنة 1227م- أعطوا اسم مدينتهم للحي، الذي سكنوا فيه. ومن يرى، أنه بهذا الحي كانت تربّى وتباع طيور الباز.
وثمة من يقول، إن الكلمة تعني البائسين، لضيق بيوتهم وصغرها وتلاصقها. والأسواق ضيقة، ومنها المسقوف، والأرض مرصوفة بالحجارة. مساجده كثيرة، والكبير منها حُوِّلت كنائس، والصغيرة أهملت. في الحي ثلاثة أبواب: البيازين، فحص اللوز، والزيادة، مازالت قائمة بعقودها العربية. ويوجد فيه قصر، يعرف باسم "دار الحرّة"، بني في القرن 15م، يتكوّن من بهو ومجموعة غرف ومجالس، تكثر في سقوفها، وعلى جدرانها، الزخارف. (في منتصف القرن العشرين اشترته الدولة ورمّمته)، وفي نهاية حي البيازين دروب ضيقة تؤدي إلى حي الجبل المقدس "السكرومنتي"، الذي يسكنه الغجر.
وفي النصف الثاني من القرن 15م قام حي قرب حي البيازين، عرف باسم حي المغاربة، للهاربين من القرى المجاورة بعد سقوطها.
قلب مدينة غرناطة
ما تزال الآثار العربية واضحة، ومنها القصر العربي أو المدرسة، وعرفت باسم دار العلوم، بناها يوسف الأول سنة 750هـ/1349م. وقد قام في مكانها بناء جديد، ولم يبق منها سوى المحراب، وهناك ميدان باب الرملة، الذي كانت تقام فيه الحفلات العامة، كالفروسية. وسوق غرناطة الذي شيّد في منتصف القرن 14م، وما يزال قائماً، ماعدا أبوابه، وفيه نحو مئتي متجر للمنتوجات الحرفية المحلية والبضائع الحريرية والتحف المعدنية. وسوق الغلال لتجارة الحبوب، وله باب معقود، نقشت في عقده كتابات كوفية، وقربه فندق للتجار، وهناك الحمامات العربية على ضفة نهر الدارو.
وكان للمدينة أكثر من عشرين باباً، ما يزال بعضها في حال جيدة، كباب البيرة، والبنيدة، وسيّدة. وبعضها في حال مقبولة. وبقي من الأسوار أجزاء كبيرة في الجهة الشمالية الغربية.
أما الجسور والقناطر فقد أقيمت فوق نهري شنيل والدارو، لكنها تهدمت، ولم يبق سوى قنطرة شنيل المرمّمة عند ملتقى النهرين.
وفي غرناطة جامعة تأسست في العهد الإسباني سنة 1531م، واليوم فيها كليات الفلسفة، والآداب، والعلوم، والحقوق، والطب، والصيدلة.
كما أن فيها متاحف عدة، منها متحف الحمراء، ويحوي قطعاً أثرية من مخلفات الأبنية، منها: لوحة رخامية تؤرخ إنشاء المارستان "المشفى" بأمر الأمير أبي عبد الله بن أبي الحجاج سنة 667هـ/1269م.
ولوحتان من الحرير، على كل واحدة منهما شعار بني الأحمر، ولوحات خشبية، وصحن نافورة كبير، وقطع فسيفساء، وجرار، ولوحة خشبية مذهبة. ومتحف دار الرماية، وفيه صورتان للملكين الكاثوليكيين، وصورة أبي عبد الله، آخر ملوك بني الأحمر، وخنجره. ومتحف للبلدية، وفيه صور للرسام "باراديليو Paradilio"، الذي عاش أواخر القرن 19م.
غرناطة اليوم
قسمت غرناطة في القرن 19م إلى ثلاث مقاطعات: غرناطة وملقة والمرية. كانت مساحتها 12530كم2.
غرناطة اليوم مركز محافظةٍ تقع جنوب شرقي إسبانيا، وسكانها نحو 281 ألف نسمة. وتشمل شوارع كبيرة، على مساحة واسعة (تبلغ نحو 31 كم2)، ويخترقها شارعها التجاري الرئيسي "شارع الملكين الكاثوليكيين". ومن الساحة الجديدة يمتد جنوباً طريقان شاسعان ومتوازيان وهما شنيل والدارو. ومن منتصف الشارع الرئيسي يخرج شارع ينتهي عند محطة السكة الحديدية.
غرناطة في الواقع لوحة غنية من التاريخ، ومتحف في الهواء الطلق، لكثرة الآثار الماثلة في أحيائها وشوارعها. إضافة إلى المنازل والقصور والقلاع والجسور والطرقات الأثرية. وكل سائح يزور إسبانيا، لابد من أن يزور غرناطة.
المصدر: الموسوعة العربية العالمية