عدد المساهمات : 16999 تاريخ التسجيل : 04/07/2013 الموقع : https://www.youtube.com/watch?v=QriWAmC6_40
موضوع: تشريع الحج إلى البيت الحرم الثلاثاء أغسطس 06, 2013 7:15 am
الحج يعني قصد مكة المكرمة لأداء عبادة الطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، وما يتبع ذلك من مناسك يؤديها كل مسلم، بالغ، عاقل، حر، مستطيع،
ولو مرة واحدة في العمر؛ وذلك استجابة لأمر الله، وابتغاء مرضاته، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، وحق لله ـ تعالى ـ على المستطيعين من عباده ذكوراً وإناثاً لقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ " ( آل عمران:97). والحج هو عبادة من أجلِّ العبادات وأفضلها عند رب العالمين بعد الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله, وذلك لما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال : ثم جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور ـ أي الذي لا يخالطه إثم . (أخرجه الإمام أحمد)
وأصل( العبادة) الطاعة، و(التَّعَبُّد) هو التنسك . والطاعة المبنية على أساس من الطمأنينة العقلية والقلبية الكاملة لا تحتاج إلى تبرير، ولكن إذا عرفت الحكمة من ورائها أدَّاها العبد بإتقان أفضل، وكان سلوكه في أدائها أنبل وأجمل، خاصة أن من مآسي عصرنا الجلية ظاهرة المفاضلة بين العبادة والسلوك، مما يُفقد العبادة دورها في ترقيق القلب، وتهذيب النفس، وضبط السلوك، وزيادة الإحساس بمعية الله ـ تعالى . ويظهر ذلك أكثر ما يظهر في أثناء أداء فريضة الحج ، وذلك لشدة الزحام، ولمحدودية كلٍ من الوقت والمكان، ولكثرة التكاليف الشرعية في هذه الفترة المحدودة، ولجهل القطاع الغالب من الناس بحقيقة هذه العبادة والحكمة من أدائها، ولكن إذا فُهمت الحكمة من أداء هذه الفريضة العظيمة أدَّاها العبد أحسن الأداء وأكمله، وأعان غيره من إخوانه على حسن أدائها، وذلك بحسن الفهم، والالتزام بالنظم، والإيثار على النفس، تقرباً إلى الله ـ تعالى ـ وتضرعاً، وحباً في عون عباد الله والمبادرة إلى نجدتهم، واعتبار ذلك من تمام أداء هذه العبادة التي يساويها خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله وعليه وسلم ـ بالجهاد، وذلك بقوله الشريف : " جهاد الكبير والضعيف والمرأة : الحج " ( النسائي) . من مقاصد الحج : لهذه الفريضة الإسلامية الجليلة حِكَم عديدة منها : أولاً : - تعريض كل من حَجَّ البيت ـ ولو لمرة واحدة في العمر ـ لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة . فالله ـ تعالى ـ خلق كلاً من المكان والزمان، وجعلهما أمرين متواصلين، فلا يوجد مكان بلا زمان، ولا زمان بلا مكان، وكما فضَّل الله بعض الرسل على بعض، وبعض الأنبياء على بعض، وبعض أفراد البشر على بعض، فضَّل ـ سبحانه وتعالى ـ بعض الأزمنة على بعض، وبعض الأماكن على بعض. فمن تفضيل الأزمنة جعل ربنا ـ تبارك وتعالى ـ يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة، وجعل الليالي العشر الأخيرة من هذا الشهر الفضيل أشرف ليالي السنة، وجعل أشرفها على الإطلاق ليلة القدر التي جعلها الله ـ تعالى ـ خيراً من ألف شهر . ومن بعد رمضان يأتي فضل أشهر الحج، ومن بعدها تأتي بقية الأشهر الحرم ، ومن الأيام جعل ربنا ـ تبارك وتعالى ـ أشرفها العشرة الأيام الأولى من شهر ذي الحجة، وجعل أشرفها على الإطلاق يوم عرفة، وفي ذلك يروى عن جابر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة ، فقال رجل: هن أفضل، أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟ . قال ـ صلى الله عليه وسلم : ـ هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهلَ السماء فيقول: انظروا إلى عبادي، جاءوني شُعْثاً غُبْرا ضاحين . جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم يُرَ يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة . ( رواه أبو يعلي، والبزار، وابن خزيمه، وابن حبان، واللفظ له) ، ولذلك كان الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم . ومن تفضيل الأماكن، فضل ربنا ـ تبارك وتعالى ـ مكة المكرمة وحرمها الشريف على جميع بقاع الأرض، ومن بعدها فضَّل مدينة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن بعدها فضَّل بيت المقدس، كما جاء في العديد من أحاديث رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فإذا اجتمع فضل المكان وفضل الزمان ، تضاعفت البركات والأجور إن شاء الله . ومن هنا كان من حِكَم فريضة الحج ـ بالإضافة إلى كونها طاعة للأمر الإلهي ـ تعريض كل مسلم، بالغ، عاقل، حر، مستطيع ـ ذكراً كان أو أنثى ، ولو لمرة واحدة في العمر ـ لبركة أشرف بقاع الأرض ـ الحرم المكي الشريف ـ في بركة أشرف أيام السنة ـ الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة ـ ولذلك قال ـ تعالى ـ : " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ " ( آل عمران:97) وقال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم : هذا البيت دعامة الإسلام، فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر، كان مضموناً على الله، إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن ردَّه، ردَّه بأجر وغنيمة .
ثانياً : - تذكير الحاج بمرحلية الحياة، وبحتمية الرجوع إلى الله ـ تعالى ـ : على الرغم من حقيقة الموت الذي كتبه الله ـ تعالى ـ على جميع خلقه والذي يشهده أو يسمع به كل حي في كل لحظة، وعلى الرغم من إيماننا ـ نحن معشر المسلمين ـ بحتمية البعث والحساب والجزاء، ثم الخلود في الحياة القادمة، إما في الجنة أبداً أو في النار أبداً، وهي من الأصول الإسلامية التي أكد عليها القرآن الكريم وروتها أحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أن دوامة الحياة ومشاغلها تكاد تنسي الناس هذه الحقائق التي هي من صلب الدين، وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ : " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ " ( آل عمران:185) . " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ " ( الأنبياء:35) . " الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ " ( الملك:2) . وعلى الرغم من أن الموت ليس انتهاء إلى العدم المحض والفناء التام؛ لأن الروح لا تبلى، بل تصعد إلى بارئها، ويبلى الجسد ويتحلل، وتبقى منه فضلة يعاد بعثه منها وهي عجب الذنب كما سماها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أن الموت يبقى مصيبة ـ كما سماه القرآن الكريم ـ ويبقى الأخطر من مصيبة الموت غفلة الناس عنه، وإعراضهم عن ذكره، وقلة تفكرهم فيه، وانصرافهم عن العمل له، وانشغالهم بالدنيا حتى أنستهم إياه أو كادت . وهنا تأتي شعيرة الحج لتخرج الناس من دوامة الحياة ـ ولو لفترة قصيرة ـ وتذكرهم بحتمية العودة إلى الله ـ تعالى.
وروى كلٌ من الإمامين البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة . (أخرجه الإمامان البخاري ومسلم) . وروى كلٌ من الإمامين الترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة . http://www.zelnaggar.com/