مرحبا المرجو ضغط على هذا الرابط انه ممتاز ولا تنسوا تعلقات يا شباب
https://www.youtube.com/watch?v=QriWAmC6_40
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما كل لقمة تستساغ إلا إذا كانت مشروعة:
أيها الأخوة الكرام, من خُلق المؤمن أكله للطيبات، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 157]
فكل شيء تطيب النفس به فهو الطيب، وكل شيء تخبث النفس به فهو خبيث، والباب واسع جداً.
أولاً: أبرز أسباب طيب الطعام أن يكون الكسب حلالاً، هناك من يتوهم أن الطعام الطيب هو الطعام الذي تستسيغه النفس، هو كذلك, لكن المقصود بالطعام الطيب: ما كان كسبه حلالاً، وذلك لأن الإنسان أودعت فيه الشهوات، لكن هذه الشهوات حيادية يمكن أن يتحرك بها الإنسان مئة وثمانين درجة، لكن منهج الله عز وجل حدد له الزاوية التي بإمكانه أن يتحرك, انطلاقاً من هذه الشهوة في مجال محدد، هذا هو منهج الله، فالإنسان إذا أراد أن يتحرك بشهوته من دون قيد أو شرط لا بد من أن يعتدي، إذا أراد المال الوفير قد يكون الكسب الحلال لا يتيح له هذا المال الوفير، إذاً: لا بد من أن يسرق, أو أن يكذب، أو أن يغش، أو أن يحتال، أو أن يغتصب.
إذاً: من أجل أن يتحرك الإنسان بشهوته من دون قيد أو شرط لا بد من أن يظلم، ومن أجل أن يروي ملذاته الحسية لا بد من أن يعتدي على أعراض الآخرين، فحينما يطبق الإنسان منهج الله, يأخذ ما له، ويدع ما عليه, إذاً: علاقته بالله سليمة.
فالإنسان إذا أراد أن يأكل كل شيء بطريقة أو بأخرى, لا بد من كسب حرام يتيح له هذه المكاسب التي يحلم بها، إذاً: هناك علاقة بين الفسق وبين الظلم, والله سبحانه وتعالى يهلك القرى إذا ظلمت, ويهلك القرى إذا فسقت، بل كل ظلم يؤدي إلى فسق، وكل فسق أساسه ظلم، الفسق أن تعتدي على أعراض الآخرين، والفسق أن تأخذ ما ليس لك، فهناك ترابط وجودي بين الفسق وبين الظلم.
أودع الله في الإنسان الشهوات ليرقى بها إلى رب الأرض والسموات، لا يرقى بالشهوة إلا إذا كانت وفق منهج الله، بدليل قول الله عز وجل:
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾
[سورة القصص الآية: 50]
معنى ذلك: أن الذي يتبع هواه وفق منهج الله لا شيء عليه، من يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، اشتهى المرأة فتزوج، هذه زوجته أم أولاده، ارتبط معها برباط أبدي، لها مستقبل عنده ولو تقدمت بها السن، لها منه أولاد، يوجد بالزواج طمأنينة، ويوجد بالزواج حفظ للأعراض، يوجد بالزواج مستقبل متألق، بكسب المال إن كسبت المال الحلال؛ أي إن أخذت مالك، ولم تأخذ ما ليس لك، الكسب الحلال يعني المنافع المتبادلة، الكسب الحرام يعني منفعة على حساب مضرة، ينتفع إنسان، ويتضرر إنسان، هذا الكسب الحرام.
إذاً: أنت حينما يكون طعامك طيباً، المعنى الدقيق: أن يكون المال الذي اشتريت به هذا الطعام قد اكتسبته من حلال، لا يوجد كذب، ولا يوجد غش، ولا احتيال، ولا تدليس، ولا احتكار، ولا إيهام، مئات المعاصي التي تدخل في كسب المال، فالإنسان حينما يتحرر ويتحرى الكسب الحلال, يكون هذا المال حلالاً، فإذا اشترى به طعاماً, فهذا الطعام بالنظر الشرعي طعام طيب، أي لو أتيح لك خمسين ليرة لتأكل بها, سوف يكون الطعام بخمسين ليرة أقل من عادي، لكن لو سرق الإنسان مئة ألف ليرة، وأتى لبيته بأطيب أنواع الطعام, هذا الطعام خبيث، لأن المال الذي اشتري به مال حرام، لذلك قالوا:
هناك حرام لذاته، وهناك حرام لغيره.
أي أن يأكل الإنسان اللحم؛ لحم الخنزير, هذا حرام لذاته، لا علاقة لنا بالكسب هنا، لحم الخنزير حرام، أما حينما يأكل الإنسان لحم الضأن، ولا يدفع الثمن فهو سارق, هذا حرام لغيره، فحيثما وردت كلمة الطيب؛ أي طعام اشتري بمال حلال.
زرت صديقاً لي في أحد الأعياد فاستقبلني والده، قال لي والده: أنا عمري ستة وتسعون عاماً، وأقسم بالله أنه أجرى فحوصاً قبل أيام فكانت النسب كلها طبيعية، ست وتسعون جميع النسب والتحاليل طبيعية، ثم قال لي: والله ما أكلت درهماً حراماً في كل حياتي، وأضاف: و لا أعرف الحرام بالمعنى الثاني، ف:
إن الله طيب، ولا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين.
فالمعنى الأول: الطعام الطيب: الطعام الذي اشتري بمال حلال؛ أي اكتسبت المال من طريق مشروع، من تجارة شرعية، أما إنسان افتتح ملهى, فهذا الملهى الكسب فيه حرام، لأنه بنى ربحه على إفساد أخلاق الآخرين، بنى ربحه على شيوع الزنا، الإنسان لو باع طعاماً فاسداً؛ أي انتهت مدة صلاحيته، أغفل هذا التاريخ، وباعه إلى معمل أغذية, هذا لا تظهر المخالفة, إذا بعت المادة الغذائية التي انتهت صلاحيتها إلى معمل الغذاء، أنت ربحت أرباحاً جيدة، لكن هذا المال الذي ربحته مالاً حراماً.
فأنا أعتقد أن هناك ألوف المكاسب المحرمة، أي كسب يحقق لك ربحاً على حساب مضرة الناس أو فسادهم فهو كسب حرام، إما أن تبيعهم بضاعة سيئة بصفات جيدة هذا هو الغش، و:
من غش فليس منا.
أو أن تحتال عليهم، أو أن توهمهم، أو أن تحتكر المواد الأساسية فترفع الأسعار، أو أن توهم، أو أن تدلس، أو أن تأخذ المال الذي ينبغي ألا تأخذه، فالشيء الطيب هو الشيء الذي اشتري بمال حلال, هذه واحدة.
والشيء الخبيث هو الذي يضرك؟ لا, لننتقل من ثمن الشيء إلى الشيء نفسه، لحم الخنزير له آثار ضارة جداً، الدخان له آثار ضارة جداً، أي طعام يفسد بنية الإنسان فهو طعام خبيث، الله سبحانه وتعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث.
الطعام الطيب كل ما لا تستخبثه الفطر السليمة وأقره الشرع:
فمن تعريفات الطيب: قال بعض العلماء: الطيب ما يستلذ من المباح، الطيب ما لا يعصى الله في كسبه، ولا يتأذى مخلوق بفعله، والطيب ما كان متناولاً من حيث ما يجوز، وبقدر ما يجوز، وفي المكان الذي يجوز.
لو إنسان أكل لحم ضأن في ملهى، المكان لا يجوز, هذا فيه غناء وفيه رقص, فيجب أن تأكل من حيث يجوز، وبالقدر الذي يجوز، وفي المكان الذي يجوز، هذا هو الطيب.
المكان له علاقة، والزمان له علاقة، لو أن إنساناً أكل في رمضان, هذا زمان صيام لا زمان إفطار، الزمان، والمكان، والمصدر، والطبيعة هذا هو الطيب.
إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً.
أي الإسلام لا يحتمل الغش أبداً، نحن في الحياة اليومية قد نشتري بضاعة من جوانب جيدة، ومن جوانب سيئة، لكن في التعامل مع الله، الله عز وجل لا يقبل إلا أن يكون العمل كله طيباً، الدين لا يحتمل غشاً أبداً، ولا كذباً، ولا احتيالاً، ولا مراوغة.
يطبع المرء على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة.
فالإنسان لمجرد أن يكذب أو أن يخون, انتهى إيمانه، ودخل في الفسق والفجور.
بعضهم فرق بين الحلال والطيب, قال: الحلال ما أفتاك المفتي أنه حلال، والطيب ما أفتاك قلبك أنه ليس فيه جناح.
استفتِ قلبك، وإن أفتاك المفتون وأفتوك.
طبعاً: أي قلب؟ القلب السليم، يأتي إنسان قلبه خبيث، قلبه عليه ران، قلبه في ضلال, يقول لك: ارتحت لهذه المعاملة، هذه الراحة ليست مقياساً إطلاقاً، دائماً وأبداً العلم حكم على الحال، وليس الحال حكماً على العلم، قد يرتاح الإنسان لمعصية، قد يرتاح لكسب حرام، لكن المقياس أن يكون منطوق العلم الشرعي هو الذي يسوغ لك هذه الراحة أو لا يسوغها لك.
أولاً: لا بد من أن يكون المأكل طيباً، يقول الله عز وجل:
﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾
[سورة البقرة الآية: 57]
لا بد من أن يكون المطعوم حلالاً، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾
[سورة البقرة الآية: 168]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾
[سورة البقرة الآية: 172]
هذا المعنى الأول، المعنى الثاني: إن أنفقت يجب أن تنفق من الطيب، والطيب ما كان كسبه حلالاً، والطيب ما كان مستساغاً تستسيغه النفس، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾
[سورة البقرة الآية: 267]
بالمناسبة أيها الأخوة: لا يجوز أبداً أن تتصدق بطعام تكرهه، لكن يجوز أن تتصدق بثياب قد لا تروق لك، لكنها تروق للآخرين، يوجد إنسان له وضع معاشي معين، هذه الثياب يراها شيئًا ثمينًا جداً، لكن الذي اقتنى هذه الثياب قد لا تناسبه، إما قد لا تناسبه قياساً، أو قد لا تناسبه لوناً، أو قد لا تناسبه شكلاً، فاللباس متعلق بأذواق معينة, وبأعمار معينة, وبصفات معينة.
فالعلماء أجازوا أن تتصدق بثوب قد تعافه نفسك، لكن لا تعافه نفس من يرتديه، الأذواق متنوعة، إذاً: الطعام الذي تكرهه لا يجوز أبداً أن تتصدق به، لكن الثياب التي تكرهها, لك أن تقدمها لمن يحتاجها.
نحن عندنا قاعدة: الطيب ما أحله الله، والخبيث ما حرمه الله.
الله حرم لحم الخنزير, لو قيل لك: هذا الخنزير نشأ في مزرعة نظيفة، في عناية فائقة، وعرض اللحم بشكل رائع، مهما كان منظر هذا اللحم مقبولاً، ومهما اتخذت شروطاً صعبة كي يكون جيداً، فلأن الله حرمه فهو خبيث.
قاعدة: الطيب ما أحله الله، والخبيث ما حرمه الله.
أي يوجد بلاد بآسيا قد لا تصدقون, أغلى وجبة طعام بالفنادق قرد حي موضوع في قفص، ورأسه محصور في مربع، تقطع العظم الذي يغطي رأسه، ويؤكل دماغه، وهو حي، هذا طعام غال جداً.
في الإنترنت وجدت أن هناك في بلاد آسيا يقدمون الطفل الذي سقط من رحم أمه قبل أن يكتمل نموه، يقدمونه على طبق، لأن لحمه أطرى لحم، فيوجد طعام خبيث، ما دام أن يأكل الإنسان لحم مخلوق بشري، لكن صغير لم يكتمل, فهذا طعام خبيث.
الآن المرض الذي انتشر الآن بآسيا، وعمّ العالم السادس، هذا أحد أسبابه: أكل الكلاب والقطط، وأكل الصراصير، الصرصور تستخبثه النفس.
ففي بعض التعريفات للطعام: كل طعام تستخبثه النفس هو طعام محرم.
الفأرة فرضاً، العقرب، الثعابين بفرموزا تقدم كأفخم طعام، يختار ثعبان, يقطع رأسه، ينزع جلده, ثم يعطى للمشتري:
﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾
[سورة الأعراف الآية: 157]
فالخبائث: الأطعمة التي تستخبثها النفس، والأصل: أن الذي حرمه الله خبيث، والذي أحله طيباً، لو لم يأت نص في طعام أُحل أم حُرم, ما دامت الفطرة السليمة تستخبثه فهو طعام ..
يوجد بلاد بالشرق عجيب أمرها، الجرذان تؤكل كأفخم طعام.
نحن والحمد لله, الله عز وجل أكرمنا بهذا الدين، طعام بلاد المسلمين يعلو على أي طعام، الذي يسافر ثم يعود إلى بلده, لا يجد طعاماً مستساغاً كطعام بلاد المسلمين، لأن الله عز وجل أحل لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث. الدليل:
﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾
[سورة المائدة الآية: 5]
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾
[سورة المائدة الآية: 4]
الذي سمح الله بأكله هو الطعام الطيب، والذي حرم أكله هو الطعام الخبيث، الآن الطعام الذي لم يرد نص فيه, ما دامت الفطر السليمة تستسيغه فهو طعام طيب، وما دامت الفطر السليمة لا تستسيغه فهو طعام خبيث.
الحث على الكسب الحلال واجتناب الحرام:
أيها الأخوة, من الأحاديث التي تتعلق بالطعام الطيب:
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْأَكْثَرُونَ هُمْ الْأَسْفَلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَكَسَبَهُ مِنْ طَيِّبٍ))
المكثر من المال هو الفقير يوم القيامة، إن لم ينفقه في حلال، المكثر من المال إن كان كسبه حراماً، أو إذا أنفقه في حرام, يوم القيامة يأتي صاحب هذا المال فقيراً، إنسان آخر في الدنيا كسب المال من حلال، وأنفقه في حلال، يأتي يوم القيامة غنياً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((لَا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ, إِلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ, فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ, حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ))
ليست هذه للنهي، لا يتصدق، لا هنا: نافية ليست ناهية، فلوه؛ أي مهره، قلوصه؛ أي ناقته، أي كسبت مالاً حلالاً, أطعمت منه تمرة من كسب حلال، وبوجه حلال، هذه التمرة تراها يوم القيامة كالجبل.
وعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكرِبَ الزُّبَيْدِيِّ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((مَا كَسَبَ الرَّجُلُ كَسْبًا أَطْيَبَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ.
-هناك أعمال فيها شبهة بكسب المال، أما عمل اليد فهو حلال صرف-.
وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ فَهُوَ صَدَقَة))
والحديث الأصل في هذا الباب:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّهَا النَّاسُ, إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا, وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ, فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ, وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ, ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ, يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ, يَا رَبِّ يَا رَبِّ, وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ, وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ, وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ, وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ, فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟))
[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
الطعام الخبيث؛ أي الذي اشتري بمال حرام، أو الطعام الخبيث لذاته، صاحبه لا تستجاب دعوته.
وإن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه، للفقرة الأخيرة معنيان، لك أن تأكل من كسب ابنك، ابنك من كسبك, لو أكلت من مال ابنك فالمال حلال، لأن ابنك كسبك، تزوجت أمه، وأنجبته، ورعيته، وربيته، وأنفقت عليه، فكسب الابن إذا انتقل إليك فهو كسب حلال.
المعنى الثاني: ورد في حديث آخر:
((أفضل كسب الرجل ولده))
[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]
أعظم عمل صالح تقدمه لله عز وجل أن تربي ولدًا صالحاً، فكل أعماله في صحيفتك:
((وإذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له))
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((خَيْرُ الْكَسْبِ كَسْبُ يَدِ الْعَامِلِ إِذَا نَصَحَ))
[أخرجه أحمد في مسنده]
والعياذ بالله! إنسان يكون بمنصب معين، وصاحب المنصب بإمكانه أن يوقع أشد الأذى بالناس، فيبني رزقه على ابتزاز أموالهم، على استخدام قوته في تهديد الناس، وابتزاز أموالهم، هذا أخبث كسب، اشكروا الله إذا كان عمل الإنسان مشروعًا.
بالمناسبة: رزق الإنسان أو حرفته إنسان وزوجته ألصق شيئين به.
مرة إنسان حضر هذه الدروس, ثم غاب هذا الإنسان, فلما تفقدته قال لي: أنا أعمل بالأشرطة وبالغناء, وما وجدت أنه يتناسب عملي مع الدروس, وهذه حرفتي، ولا أستطيع أن أتركها.
فمهنته قطعته عن الله عز وجل، هناك آلاف المهن كلها محرمة، يعني الرقص, والتمثيل, والنوادي الليلية, والمجلات الداعرة, والأفلام, آلاف مؤلفة من الحرف تقطع صاحبها عن الله عز وجل، فإذا كان الشخص منا له عمل مشروع, أساسه نفع المسلمين, فهذه نعمة كبرى، نعمة لا تقدر بثمن، معلم مثلاً رياضيات، لا يوجد مانع، معلم فيزياء وكيمياء، معلم لغة عربية، بائع يبيع مواد أولية أساسية, لكن يوجد محلات تجارية تبيع ملبوسات، لكن تتم فيها من المخالفات الشرعية، ومن تجاوز الحدود ما لا يعلمه إلا الله، تكون بأفخر شارع تجاري, والتزيينات بأعلى مستوى، لا محل بمكان تصليح السيارات؛ حيث الضجيج, والزيت, والوحل, هذا المكان أنظف من أرقى شارع يباع فيه الأشياء الثمينة، لكن يتم في هذه المحلات الغمز واللمز والمغازلة، وما شاكل ذلك .....
مرة شخص يعمل بعمل لا يرضي الله عز وجل, لكن مرة رأيت مكتبه, شهد الله ما وقعت عيني على مكتب أفخم منه، الجدران من الخشب النفيس لحجب الصوت، والأرض مفروشة بأغلى أنواع السجاد والمكتب.
قال لي مرة على فطرته: أنا عملي قذر، توفي، أنا عملي قذر، قال لي إياها باللغة الإنكليزية، وثاني يوم ذهبت لإصلاح مركبتي في يوم مطير، والذي يصلح المركبات محله صغير, لا يوجد محل لمركبتي، وبالطريق, والوحل, والمطر, فك قطعة، وانبطح تحت المركبة، وصلحها بدقة، وأخذ أجراً معتدلاً.
فأنا قياساً على الذي قال لي البارحة: أنا عملي قذر, قلت: والله هذا عمله نظيف مع أنه على الشبكية, كيف نظيف؛ يلبس ثياباً كان أصلها أزرقاً, لكن من الوحل, والشحم, والزيت لم يعد لها لون أصلاً، وانبطح تحت المركبة, والوحل, والمطر، وفك القطعة، وأصلحها؟
فأنا صحت بأعلى صوتي -صوت النفس-: أن هذا عمله نظيف، ما بنى عمله على إيذاء الناس, ولا على ابتزاز أموالهم، ولا على إدخال الرعب في الناس، الأول قال لي: أنا عملي قذر، اعترف، عمله أساسه إيقاع الأذى في الناس، بث الرعب في الناس، والثاني عمله نظيف، ابحث عن عمل نظيف.
إن روح القدس نفثت في روعي, أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله عباد الله، وأجملوا في الطلب, واستجملوا مهنكم.
اطلب مهنة شريفة.
ألصق شيء في حياتك زوجتك وحرفتك، وكم من زوجة قطعت زوجها عن الله عز وجل؟
حدثني أخ قال لي: أنا أولي على الجامعة، وقد كان جاهلاً في الدين، تزوجت فتاة جميلة جداً من أب غني، لكنها بعيدة عن الدين بعد الأرض عن السماء، تخرج بثياب فاضحة، اضطر أن يطلقها, فلما طلقها, له منها أولاد, شقي وأشقى، شقيت وشقي معها، وشقي أولاده.
فالمرأة فيها شؤم أو فيها بركة، إن كانت فاسقة، واهتممت بالجمال فقط، فقد يكون في الجمال شؤم، خير الكسب كسب العامل إذا نصح.
عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلًا, فَيَأْخُذَ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ فَيَبِيعَ, فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهِ وَجْهَهُ, خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أُعْطِيَ أَمْ مُنِعَ))
عَنْ الْمِقْدَامِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ, وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَام- كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ))
[أخرجه البخاري في الصحيح]
أيها الأخوة, الأحاديث كثيرة جداً حول الكسب الحلال، لكن مرة أخيرة: ألصق شيء بحياتك مهنتك وزوجتك، فاحرص على أن تختار الزوجة الصالحة التي إذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا نظرت إليه سرتك، واحرص على أن يكون عملك مشروعاً، ويكون دخلك حلالاً, ليكون طعامك طيباً.
شيء مضحك: الإنسان بسذاجة يتصور الطعام الطيب الذي فيه سمن بلدي ولحم من أعلى درجة، وفيه مقبلات، ومعه المرافقات، الطعام الطيب؛ أي سندويشة فلافل من كسب حلال, أطيب من غداء مطعم يكلف عشرة آلاف.
الطعام الطيب: ما كان كسبه حلالاً.
دعاء الختام :
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين