eliasissaoui Admin
عدد المساهمات : 16999 تاريخ التسجيل : 04/07/2013 الموقع : https://www.youtube.com/watch?v=QriWAmC6_40
| موضوع: عماد الدين زنكي وتحرير الرها من الصليبيين الأربعاء أكتوبر 22, 2014 12:51 pm | |
| عماد الدين زنكي[size=18]ظهور عماد الدين زنكي نجح الفرنجة في تأسيس المملكة الصليبية الرابعة وهي طرابلس في 11 من ذي الحجة 503هـ/ 12 من يوليو 1109م بعد حصارٍ دام سبعة أعوام، وكانت الصدمة عنيفةً على المسلمين في أقطار الأرض، وأصابت العديدين بالإحباط واليأس، إلا أن هذه الأمَّة التي لا ينقطع خيرها ما لبثت أن أخرجت بطلاً ظهر على مسرح الأحداث مجاهدًا في سبيل الله، ساعيًا إلى توحيد الكلمة، كان هذا البطل هو عماد الدين زنكي بن آق سُنْقُر أمير الموصل.فبعد أن استشهد آق سنقر أمير الموصل عهد السلطان محمود السلجوقي إمارة الموصل إلى ابنه عماد الدين زنكي في ربيع الآخر من عام 521هـ/1127م، وبظهوره على مسرح الأحداث بدأت صفحة جديدة في ميزان القوى بين المسلمين والصليبيين. وقد أصبح عماد الدين زنكي أقوى حاكم مسلم في زمانه؛ لأنه سخَّر إمكانياته وقوته في الجهاد ضد الصليبيين.جهود عماد الدين زنكي في توحيد المسلمين استطاع عماد الدين التغلب على النعرات الانعزالية في كل من بلاد الشام والعراق والجزيرة؛ وبدأ بتكوين جبهة إسلامية متحدة ضد الصليبيين، فسيطر على القلاع القريبة منه مثل جزيرة ابن عمر ونصيبين وسنجار وبلاد الخابور وحران، ثم اتجه تفكيره بعد ذلك للاستيلاء على حلب، أكبر المراكز الإسلامية بشمال الشام، وواتته الفرصة عندما علم باضطراب الأحوال بها وتهديد كل من جوسلين الثاني صاحب الرها وبوهيمند الثاني صاحب أنطاكية لها، فسارع عماد الدين زنكي إليها فلقيه أهلها بالبشر ودخل البلد في يوم الاثنين 13 جمادي الآخرة سنة 522هـ / يونيو 1128م، واستولى عليه ورتب أموره وأقطع أعماله الجنود والأمراء، ويؤكد ابن الأثير على أهمية هذا الفتح بقوله: "ولولا أن الله تعالى مَن على المسلمين بولاية الشهيد لكن الفرنج استولوا على جميعه".وكان هذا أمرًا غاية في الخطورة على الصليبيين في شمال بلاد الشام؛ لأنه كان يقطع الطريق بين الرُّها وغيرها من المستوطنات الصليبية، وفي العام التالي استولى على حماة (523هـ= 1129م)، ثم ضمَّ مدينة سرجى ودارا، ثم حصن الأثارب وكان بيد الصليبيين، ثم انشغل عماد الدين زنكي بالخلافات العنيفة بين الخليفة المسترشد والسلطان مسعود؛ بل تورَّط فيها؛ وذلك لعدَّة سنوات، ثم عاد بعدها إلى هدفه الأسمى، فضمَّ عدَّة قلاع للأكراد الحميدية والهكارية وقلعة الصور، وواصل سعيه حتى استقامت له ديار بكر وإقليم الجبال سنة (528هـ= 1134م).زنكي والتفكير في فتح الرها استقامت معظم بلاد الشام لعماد الدين زنكي؛ عدا ما كان بيد الصليبيين وفتح دمشق قلب الشام وحاضرته، وقد حاول زنكي ضمَّ دمشق سنة (529هـ= 1135م) ولكنه فشل، وبقيت خارج سلطته، وبقي يُخَطِّط ويُفَكِّر في كيفية الوصول إلى دمشق. وبعد سنوات حاز زنكي حمص سنة ٥٣٢هـ/ 1138م، وبذلك صار الطريق ممهدًا أمامه لتوجيه ضربة قوية للصليبيين.وكانت هذه الضربة القوية هي فتح الرها وتحريرها من الصليبيين. فلم تقتصر أهمية الرها على الجانب الصليبي، بل كانت في نظر المسلمين من أهم المواقع التي يجب السيطرة عليها، فقد ذكر ابن الأثير مكانتها في بلاد الجزيرة بسبب موقعها بين الموصل وحلب، ووصفها بأنها من الديار الجزرية عينها ومن البلاد الإسلامية حصنها مما جعل القوى الإسلامية سواء في العراق أو الشام ترغب في السيطرة عليها [1].أوضاع الرها الداخلية كانت ظروف الرها الداخلية مؤاتية لعماد الدين زنكي، إذ اتصف أميرها جوسلين الثاني بضعف الشخصية وانسياقه وراء العواطف والأهواء وعدم امتلاكه مقدرة سياسية وبعد نظر، وعُرف عنه أنه كان من ذلك النوع الذي يؤثر الراحة والعافية، حتى أنه في الوقت الذي هاجم فيه عماد الدين زنكي إمارته، اختار أن يترك مدينته ليقيم في تل باشر على الضفة الغربية للفرات.وإذا أضفنا إلى ذلك أن المسلمين أحاطوا بهذه الإمارة من كل جانب، وفصلها نهر الفرات عن بقية الممتلكات الصليبية في بلاد الشام؛ لاستطعنا أن نكّون فكرة عامة عن العوامل التي ساعدت على سقوطها والجدير ذكره أن هذه شَّكلت خطراً كبيراً على المواصلات الإسلامية بين حلب والموصل وبغداد وسلاجقة الروم في آسيا الصغرى، كما كانت عائقاً حال دون قيام الوحدة الإسلامية في بلاد الشام والجزيرة بسبب تدخلها المستمر لصالح خصوم عماد الدين زنكي من الأمراء المسلمين في المنطقة، فكان فتحها ضرورة سياسية وعسكرية واقتصادية ودينية [2].عمليات فتح الرها [/size][*] استغل عماد الدين زنكي الظروف السابق ذكرها وسعى إلى تدبير خدعة تتيح له تحقيق هدفه من أقصر طريق. وكان يعلم أنه لن يستطيع أن ينال غرضه من الرها ما دام جوسلين وقواته موجودين بها، وهكذا انصب اهتمامه على إيجاد وسيلة تدفع غريمه إلى مغادرة مقر إمارته. [*] فاتجه عماد الدين زنكي إلى آمد في أواخر شهر ربيع الثاني من سنة (539هـ) نوفمبر 1144م، وأظهر أنه يعتزم حصارها، وأنها هدفه دون غيرها، وبث عيونه -في الوقت نفسه- في منطقة الرها ليطلعوه -أولاً بأول- على تحركات أميرها الذي ما أن رأى انهماك زنكي بجيوشه في ديار بكر وعدم تفرغه للهجوم على المواقع الصليبية، حتى غادر مقر إمارته على رأس قواته، بعد أن اتخذ إجراءاً احتياطياً بأن عقد هدنة مع فرار أرسلان صاحب حصن كيفا الذي كان قد التجأ إليه بعد تهديد زنكي لإمارته، ومن ثم اتجه إلى تل باشر الواقعة على الضفة الغربية للفرات، كي يتخلص هناك، من كل مسؤولية، ويتفرغ لملذاته، تاركاً حماية الرها لأهاليها من الأرمن والسريان والنساطرة واليعاقبة، وكان معظمهم من التجار الذين لا خبرة لهم بشؤون الحرب والقتال بينما تولى الجند المرتزقة مهمة الدفاع عن القلعة.وكما رتَّب عماد الدين زنكي تمامًا خرج جوسلين الثاني في جيشه، واتجه جنوبًا ليقطع الإمدادات العسكرية الإسلامية القادمة من حلب، وبسرعة نقلت عيون عماد الدين زنكي الأخبار إلى عماد الدين زنكي، فغيَّر من اتجاهه في لحظات، واتجه إلى الرها من طريقٍ، وأرسل حاجبه صلاح الدين الياغيسياني من طريق آخر، وكان هذا الانفصال ليشتِّت عيون الصليبيين إذا رصدت التحركات. وكانت حركة الجيش في معظمها في الليل، وكانت الليلة التي اقتربوا فيها من الرها شديدة المطر، وبردها قارسًا، لكن ذلك لم يمنعهم من التقدم، إنما منع عيون الصليبيين من رصد الأمور. كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرئهم في القتال، لا يُجاريه أحدٌ من جنده في ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام، وقال: "لا يأكل معي على مائدتي هذه إلا من يطعن غدا معي على باب الرها". وهي كناية عن شدَّة القتال والشجاعة؛ لأن طاعن الباب يكون أول فارس في الجيش يصل إلى باب المدينة، ولا يفعل ذلك إلَّا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلَّا أميرٌ واحدٌ وصبيٌّ صغيرٌ؛ فقال الأمير للصبي: "ما أنت في هذا المقام؟". فقال له عماد الدين زنكي القائد المربِّي القدوة، الذي يعرف كيف يُحَمِّس الشباب والنشء، ويُحَفِّز طاقاتهم: "دعوه فوالله! إني أرى وجهًا لا يتخلَّفُ عنِّي". وبالفعل أثمرت هذه الكلمات طاقة جبارة عند الصبي، فكان أوَّلَ طاعنٍ، وأوَّلَ بطلٍ في هذه المعركة. أسرع عماد الدين زنكي بالتوجه إلى الرها مستعيناً على السرعة بركوب النجائب الإبل مستنفراً كل قادر على حمل السلاح من مسلمي المنطقة للجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، وما لبث أن انهالت عليه جموع المتطوعين، وانقشع الظلام، وظهر نور الصبح ليوم 28 من ربيع الثاني 539هـ \ 25 من نوفمبر 1144م، ومع نور الصبح اكتشف الصليبيون في داخل المدينة أن الجيوش الإسلامية تحيط بها من كل جانب !فطوق عماد الدين زنكي الرها من جهاتها الأربع، وحاول في البدء أن يتوسل بالطرق السلمية علها تحقق هدفه دون اضطرار إلى رفع السيف، فراسل أهالي الرها، باذلاً لهم الأمان، طالباً منهم أن يفتحوا له الأبواب قبل أن يجد نفسه مضطراً إلى تدمير أسوار بلدهم وإخلاء دياره، إلا أنهم أبوا قبول الأمان.وحينئذ اشتد زنكي في التضييق على الحصن، مستخدماً آلات الحصار الضخمة التي جلبها معه لتدمير أسواره، أن تتاح الفرصة لتجمع الصليبيين والتقدم لإنقاذ هذا الموقع الخطير، وأرسل جوسلين لدى سماعه نبأ الهجوم -في طلب نجدة مستعجلة من كافة الإمارات الصليبية في الشام، فلم يستجب له سوى (ميلزاند) الوصية على بيت المقدس، التي وصلت نجدتها بعد فوات الأوان، كما أنه قام بمحاولة للدخول إلى المدينة، أو إرسال نجدة لتعزيز دفاعها فحيل بينه وبين ذلك، وفي يوم 26 من جمادى الآخرة 539هـ \ 23 من ديسمبر 1144م، وبعد ثمانية وعشرين يومًا كاملة من الحصار، أَذِن الله -عز وجل- لجزءٍ من السور أن ينهار ! فقد أثر الضرب المركز الشديد الذي تعرضت له، فاجتاحت قوات المسلمين المدينة، ثم ما لبثت القلعة أن استسلمت بعد يومين، وقام القس اليعقوبي برصوما بإجراءات تسليم الرها لزنكي.سياسة عماد الدين زنكي في الرها أعرب عماد الدين زنكي عن سياسته تجاه هذا البلد المهم بعد فتحه، فقال: "إن ذلك البلد لا يجوز في السياسة تخريب مثله"، وأصدر أوامره إلى جنده بإيقاف أعمال القتل والأسر والسلب، وإعادة ما استولوا عليه من سبي وغنائم، فأعيدوا ولم يفقد إلا الشاذ النادر، وأعقب ذلك بإصدار أمر آخر بالإسراع في تنظيم ما اضطرب من أمور الرها، وتعمير ما تهدم خلال أسابيع طويلة من القتال ورتّب من رآه أهلاً لتدبير أمرها وحفظها والاجتهاد في مصالحها، ووعد أهلها بجمال السيرة وبسط العدالة مستهدفاً من وراء ذلك استمالة سكانها الأصليين من المسيحيين الشرقيين ضد الصليبيين الكاثوليك، الأمر الذي يؤكده قيامه بتدمير عدد من الكنائس الكاثوليكية، واحتفاظه بكنائس الشرقيين.العوامل التي ساعدت عماد الدين على استعادة الرها هناك العديد من العوامل التي ساعدت عماد الدين على تحرير الرها، منها:1- تنامي حركة الجهاد الإسلامية حتى عصره وحصاد تجربة المسلمين في ذلك المجال، فلا ريب في أن التجارب السابقة أثبتت أن إمارة الرها مرشحة أكثر من غيرها لكي تكون أولى الإمارات الصليبية المعرضة للسقوط في أيدي قادة الجهاد الإسلامي حينذاك، وقد أجهدها أمر الإغارات المستمرة من جانب أتابكة الموصل على نحو خاص طوال ما يزيد على أربعة عقود من الزمان على نحو مثل موتاً بطيئاً لها إلى أن تم الإجهاز عليها في العام المذكور.2- ويضاف إلى ذلك براعة عماد الدين زنكي العسكرية الذي فاجأ تلك الإمارة الصليبية بالهجوم، بعد أن أطمأن الصليبيون إليه وتصوروا أنه لن يهاجم فاستغل فرصة غياب أميرها جوسلين الثاني عنها ووجه لها ضربته القاضية التي انتهت بإسقاطها، وهكذا أثبت ذلك القائد المسلم الكبير أنه اختار التوقيت الملائم لذلك العمل العسكري العظيم.3- زد على ذلك: أن الخلاف الواقع بين إمارتي الرها وأنطاكية أثر بدوره على إمارة الرها، وأدى إلى إجهادها واستهلاكها سياسياً وعسكرياً، على نحو أثبت أن الخلافات التي كانت تحدث بين القيادات الصليبية أثرت بدورها على كياناتهم السياسية وها هي - لحسن الحظ - إمارة الرها تدفع الثمن بأن سقطت في قبضة من استحقها من قادة الجهاد الإسلامي في ذلك الحين.4- ولا نغفل من ناحية أخرى شخصية أمير الرها جوسلين الثاني الذي لم يكن على نفس القدر من الكفاءة السياسية والعسكرية التي اتصف بها والده جوسلين الأول، وكان أميل إلى حياة الخلاعة والمجون والسعي الحثيث إلى الملذات، بل إن كثيراً ما غادر مدينة الرها ذاتها واتجه إلى تل باشر من أجل أن يجد هناك ما يبحث عنه من صور الفساد ولذلك أدرك فيه المسلمون تلك الزاوية فأحسن قائدهم الإفادة منها وهاجم الرها وقت أن غاب عنها جوسلين الثاني، فأصابها في مقتل.5- ويبدو أن الجيل الصليبي الذي حل بعد الجيل الأول الذي أسس الكيان الصليبي وحافظ عليه، لم يكن قادراً على الحفاظ على ما شيده السابقون بل لم يكن يدرك أهمية دوره التاريخي في ذلك الموقع الشديد الحساسية الذي أحاطه المسلمون من كل جانب، وهكذا شارك جوسلين الثاني -دون أن يدري- في إنجاح حركة الجهاد الإسلامية حينذاك بقيادة قائدها الكبير عماد الدين زنكي.6- وعلى أية حال: من الممكن أن من المؤرخين الغربيين من حاول إظهار عوامل الضعف الداخلي في إمارة الرها، وجعل تلك العوامل وحدها هي التي أدت إلى إسقاطها، وهدف من وراء ذلك إضعاف فعاليات المسلمين السياسية والحربية، غير أن المنطق التاريخي يدعونا إلى تصور أن العوامل الداخلية والخارجية تعاونت معاً من أجل صنع انتصار عام 539هـ/1144م ومهما كان أن شأن عوامل "النحر والانتحار" الداخلية ونتائجها في الرها فإنها ما كانت لتسقط دون الفعاليات العسكرية لقائد موهوب مثل عماد الدين زنكي، وجنوده من خلفه.مؤامرة فاشلة من سكان الرها ما لبث سكان الرها من الأرمن أن دبروا -في العام التالي- مؤامرة استهدفت الفتك بالمسلمين وإعادة المدينة إلى السيطرة الصليبية بعد القيام باستدعاء جوسلين، إلا أن زنكي سرعان ما تمكن من كشف هذه المحاولة الخطيرة، والقبض على مُدبريها وإعدامهم، ثم أعقب ذلك بنفي عدد من الأرمن كيلا يتاح لهم مرة أخرى أن يسعوا إلى طعن المسلمين من الخلف، وتسليم أهم مواقعهم لقمة سائغة للغزاة الصليبيين.نتائج فتح الرها حقق عماد الدين زنكي بفتح الرها أهم إنجازاته التي قام بها ضد الصليبيين طوال مدة حكمه، وكانت لهذا النصر نتائج هامة في العالمين الإسلامي والنصراني ومن أهم تلك النتائج على الإجمال:أ- تأكد للمسلمين أن حركة الجهاد الإسلامية وصلت سن الرشد وتجاوزت المراهقة السياسية والعسكرية دون أن يكون ذلك إجحاف بإنجازات القادة السابقين على زنكي لاسيما مودود - وإذا كانت أولى الإمارات الصليبية تهاوت تحت أيديهم، فإنها البداية، واليوم إسقاط الرها وغداً إسقاط باقي الكيان الغازي الدخيل، وهذا ما حدث فعلاً، ومن الآن فصاعداً لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، بل التقدم إلى الأمام بكل ثقة، وإباء، وإنجاز.ب- تأكد منطق التاريخ من أن مثل تلك الكيانات الصليبية الغير شرعية لن تستمر على الأرض المسلمة، لأن أبناء المنطقة أصحاب الهوية الدينية الموحدة لن يقبلوا بذلك الوضع السياسي والعسكري الدخيل وبالتالي عاد التجانس لمنطقة شمال العراق، ولم تعد الرها تمثل دور الفصل والكيان الصليبي الحاجز المانع من الاتصال بين كل من سلاجقة آسيا الصغرى، وسلاجقة العراق، وكذلك بلاد فارس.ج- زاد الضغط على النطاق الصليبي الذي اتخذ شكلاً طولياً من أنطاكية في الشمال إلى إيلات (الرشراش) جنوباً ومن نهر الأردن شرقاً إلى الساحل الشامي -باستثناء عسقلان، إذ أن صور سقطت بالفعل عام 1124م/518هـ/ بما اشتمله من إمارة طرابلس، ومملكة بيت المقدس الصليبية، فالمؤكد أن رأس الحربة الصليبية في الرها سقطت إلى غير رجعة، والآن أصبح ذراعها قائماً في باقي الكيان الصليبي، ولذلك ازداد الضغط العسكري عليه من قِبل القوى الإسلامية التي سيطرت على الظهير الشامي الموازي للساحل والسهل الساحلي، وكأن المعركة صارت - على المستوى الجغرافي - معركة بين الساحل والظهير، واعتمد الأول على الدعم الخارجي الأوروبي في الأساس، واعتمد الثاني على إمكاناته المحلية الوافرة التي تزايد شأنها مع ظهور قادة الوحدة بين المسلمين.د- أدى إسقاط الرها بمثل هذه الصورة إلى تحرك الحلف الدفاعي الاستراتيجي القائم بين الكيان الصليبي في الشرق، والرحم الأمم في الغرب الأوروبي، فلم يكن ذلك الغرب ليسمح لامتداده السياسي والتاريخي في الشرق أن ينهار قطعة قطعة، بل لابد من التدخل من أجل إعادة الأمور إلى نصابها وإجهاز فعاليات إمارة الموصل، ومن ثم كان قيام حملة صليبية 1147 – 1149م/ 542هـ - 544هـ التي اشتهرت بالحملة الصليبية الثانية، وهي من النتائج المباشرة لإسقاط الرها وهو أمر يوضح لنا بجلاء كيف أن قادة الجهاد الإسلامية حاربوا قوى عالمية، ولم تكن مجرد قوى محلية محدودة التأثير والفعالية، وأنهم بالفعل كانوا جزءاً من صراع قاري أو عالمي على نحو يجعل لهم مكانة بارزة في تاريخ المسلمين - عامة - في عهد الحروب الصليبية.هـ- ومن النتائج العديدة التي نتجت عن ذلك الإنجاز، ارتفاع شأن عماد الدين زنكي إلى حد بعيد، فبعد أن كان مجرد حاكم محلي محدود النطاق والفعالية، تردد اسمه سريعاً في الحوليات اللاتينية والسريانية ليعكس أنه أحدث تأثيراً كبيراً في مجرى أحداث الشرق اللاتيني، وبصورة غير مسبوقة، أما بالنسبة للمسلمين، فقد احتل مكانة بارزة، فقد عزّز فتح الرها مركز عماد الدين زنكي تجاه السلطان السلجوقي مسعود والخليفة العباسي المقتفي لأمر الله الذي أنعم عليه بعدد كبير من الألقاب التي حازها عن جدارة، كالأمير المظفر، ركن الإسلام، عمدة السلاطين، زعيم جيوش المسلمين، ملك الأمراء أمير العراقين والشام وجعل هذا النصر عماد الدين زنكي المدافع الأول عن الدين والمجاهد في سبيل إعلاء كلمة الله، ودارت في المحافل الإسلامية، أحاديث تمحورت حول شخصه، تصور لنا مدى التقدير، والإعجاب اللذين نالهما إثر تحقيقه هذا النصر الكبير.ومهد هذا الفتح الطريق أمام عماد الدين زنكي لاستكمال فتح الحصون المجاورة، وفرض سيطرته التامة على أملاك أعدائه في المنطقة، وأَّدى فتح الرها دوراً كبيراً في إنقاذ إمارة عماد الدين زنكي من خطر استمرار الغارات الصليبية عليها، فأصبح أهلها بعد الخوف آمنين، وهذا إن شاء الله من عاجل بشرى المؤمن.وأخيرًا لقد كان لفتح الرها صدًى شديدًا في العالمين الإسلامي والصليبي؛ فلقد كان أعظم انتصار حقَّقه المسلمون على الصليبيين منذُ دخولهم الشام منذ خمسين سنة، وأعاد ذاكرة الانتصارات لهم، وسرت رُوحٌ جهادية كبيرة عند المسلمين بعدها، وعادت لهم الثقة، وتغلَّبُوا على الهزيمة النفسية تجاه الصليبيين، والتي أقعدتهم عن السعي للتحرير عشرات السنين.أمَّا الصليبيون فقد نزلت بهم أعظم المصائب، وفقدوا أهم إمارة صليبية لهم بالمنطقة، ولقد قاموا بحملتهم الصليبية الثانية على الشام سنة (543هـ / 1147م) لاسترجاع الإمارة ولكنهم فشلوا. [1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، دار المعرفة بيروت لبنان، 8/ 663- 664. - ابن الأثير: التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية بالموصل، تحقيق عبد القادر طليمات، القاهرة 1963م، ص 66. - قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، الإيديولوجية، الدوافع، النتائج، ذات السلاسل الكويت الطبعة الثانية 1993م، ص112، 113. [2] محمد سهيل طقّوس: تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، دار النفائس بيروت لبنان الطبعة الأولى 1419هـ - 1999م، ص 149.
[*] علي الصلابي: عصر الدولة الزنكية، الناشر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة – مصر، الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007م، ص132- 139. - علي الصلابي: السلطان الشهيد عماد الدين زنكي شخصيته وعصره، الناشر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة – مصر، الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007م، ص123- 130. - راغب السرجاني: قصة الحروب الصليبية، مؤسسة اقرأ، الطبعة الثانية يناير 2009م، ص479- 508. - تامر بدر: قادة لا تنسى، الناشر: دار أقلام للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1433هـ/ 2012م. | |
|