بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2013-04-15
من أسرار القرآن
(443) (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ)
(سورة البروج:10)
بقلم د.زغلول النجار
هذه الآية القرآنية الكريمة نزلت في ذي نواس الذي حكم بلاد اليمن كأحد ملوك حمير في القرن السادس الميلادي, وكان كافرا مشركا, وإن نسب نفسه إلي الديانة اليهودية. وكان من شدة عدوانيته أنه أراد إكراه الناس من حوله علي اعتناق دينه المحرف والقائم علي عبادته هو من دون الله.
وانطلاقا من عدوانيته فإنه شن عددا من الحروب علي جيرانه, حتى وطد ملكه في صنعاء, وفرض معتقداته الباطلة علي كل اليمن. ثم بلغه أن رسالة التوحيد التي دعا إليها عبد الله ونبيه المسيح عيسي ابن مريم قد وصلت إلي أهل نجران, وآمن بها غالبية الناس. وعلي أثر ذلك قرر ذو نواس أن ينكل بالذين آمنوا حتى يعودوا إلي معتقداته المحرفة. وبالفعل جهز جيشا جرارا, وخرج علي رأسه إلي منطقة نجران فحاصرها حتى استسلم أهلها, فأرعبهم بقواته التي استباحت الأرض ومن عليها, ثم جمع زعماء المدينة وخيرهم بين الردة عن الإيمان بالله أو القتل حرقا بالنيران, فرفض غالبية المؤمنين الردة إلي الشرك فأمر ذو نواس بحفر أخدود وملأه بالحطب الذي أضرم فيه النيران حتى تأججت. ثم جاء وزبانيته وجلسوا علي حافة هذا الأخدود, ونودي علي كل مؤمن ومؤمنة, ليساوموا كل فرد منهم علي دينه, ومن يرفض يلقي في النيران حيا ليموت أمام تهليل وضحكات ذو نواس وزبانيته, وتشفيهم بإحراق عباد الله المؤمنين بالنيران في أعماق الأخدود, وفي ذلك يقول ربنا - تبارك وتعالي- : (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ, الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ, إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ) (البروج: 4- 10).
والأصل في القرآن الكريم أن العبرة فيه هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, وعلي ذلك فالآية الكريمة تنطبق علي كل من يسعي إلي فتنة المؤمنين والمؤمنات في كل زمان ومكان. وانطلاقا من ذلك حذر رسول الله -صلي الله عليه وسلم- من فتنة المؤمنين فقال: "لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين, وحتى يعبدوا الأوثان, وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون, كلهم يزعم أنه نبي, وأنا خاتم النبيين, لا نبي بعدي" (الترمذي).
وقال: "ستفترق أمتي علي بضع وسبعين فرقة, أعظمها فتنة علي أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم, يحرمون الحلال, ويحلون الحرام" (البزار, الطبراني, الحاكم).
وتاريخ الذين انتسبوا إلي الإسلام شاهد علي صدق ذلك, فبعد أن انتقل رسول الله - صلي الله عليه وسلم- إلي الرفيق الأعلى ظهرت فرق القدرية, والمرجئة, والخوارج, والشيعة وما انبثق عنها من طوائف (مثل الإسماعيلية, القرامطة, الفاطميون, الحشاشون, البهرة, المكارمة, النصيرية أو العلوية, الدروز, اليزيدية وغيرها).
هذا غير ما ابتدعه الاستعمار من حركات حارب بها الإسلام من أمثال كل من البابية والبهائية والقاديانية أو الأحمدية, ومن انتسبوا إلي غيرها من جماعات من مثل من تسموا كذبا بالأنصار, الأحباش, العقلانية, التنوير, التجديد, التحرر الفكري, التطور, اليسار الإسلامي, المعاصرة وغيرها. ويبقي طوق النجاة لكل مسلم ومسلمة قائما فيما حدده رسول الله - صلي الله عليه وسلم- عندما سئل عن الفرقة الناجية فقال: "ما أنا عليه وأصحابي" (الترمذي).
وما أشبه الليلة بالبارحة, فقد جاء( ذو نواس جديد) يحكم سوريا بالحديد والنار, وعندما انتفض الشعب السوري يطلب حريته, قام بقتل شعبه وتدمير كل شئ في بلده بوحشية لم يشهدها التاريخ من قبل. ووجد (ذوي نواس آخرين) يدعمونه بالمال والسلاح للمزيد من إجرامه في حق شعبه وبلده.
ويبقي نص الآية الكريمة صحيحا إلي قيام الساعة يتهدد كل من سعي إلي فتنة المؤمنين والمؤمنات بعذاب جهنم وعذاب الحريق إن لم يتوبوا عن إفسادهم في الأرض, وفي ذلك يقول رسول الله- صلي الله عليه وسلم-: "... ومن ادعي دعوي الجاهلية فإنه من جثا جهنم فقال رجل: وإن صلي وصام؟ قال: وإن صلي وصام, فادعوا بدعوي الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله" (الترمذي, البيهقي).
وهنا يتضح وجه الإعجاز التشريعي والتاريخي في هذا النص الكريم لأن ما يجري اليوم علي الساحة العربية خاصة علي أرض كل من سوريا والعراق ولبنان ما يهدد الذين يفتنون المسلمين والمسلمات بعذاب الله في الدنيا والآخرة, والله يقول الحق ويهدي إلي سواء السبيل.