عدد المساهمات : 16999 تاريخ التسجيل : 04/07/2013 الموقع : https://www.youtube.com/watch?v=QriWAmC6_40
موضوع: التوحيد لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الأربعاء مايو 21, 2014 2:54 am
بسم الله الرحمن الرحيم التوحيد . أعزائي المشاهدين أخوتي المؤمنين ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، تلك العقيدة التي هي لب الإسلام ، بل هي محور رسالات السماء . الوحدانية . قال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [ سورة الأنبياء : 25 ] إله واحد ، خالق كل شيء ، ورب كل شيء ، له الخلق والأمر ، وإليه المصير ، في السماء إله ، وفي الأرض إله . ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [ سورة هود : 107 ] ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [ سورة هود : 123 ] هو وحده الجدير ، أن يعبد فلا يجحد ، وأن يشكر فلا يكفر ، وأن يطاع فلا يعصى . روى الشيخان البخاري ومسلم : عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : (( يا معاذ ما حق الله على العباد ؟ وما حق العباد على الله ؟ )) قلت الله ورسوله أعلم . قال عليه الصلاة والسلام : (( حق الله على العباد أن يعبدوه )) لأن العبادة هي علة وجودهم ، قال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [ سورة الذاريات : 56 ] حق الله على العباد ، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً . وحق العباد على الله ، أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً . لوازم التوحيد : أيها الأخوة المشاهدون : تحدثت عن تعريف التوحيد ، وها أنا ذا أنتقل إلى لوازم التوحيد ، من لوازم التوحيد : 1- ألا يتخذ ربا سواه : أن لا يتخذ الإنسان من دون الله رباً يعظمه كما يعظم الله ، قال تعالى : ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ سورة الأنعام : 164 ] فلو اعتقد أن جهة غير الله ، يمكن أن تعطي ، أو أن تمنع يمكن أن تخفض ، أو أن ترفع ، يمكن أن تعز أو تذل ، مستقلة عن إرادة الله فقد أشرك . ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ سورة آل عمران : 26 ] 2- ألا يتخذ وليا سواه : أيها الأخوة الأكارم ؛ ومن لوازم التوحيد أيضاً ، أن لا يتخذ الإنسان من دون الله ولياً ، يحبه كحب الله ، قال تعالى : ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [ سورة الأنعام : 14 ] ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [ سورة فصلت : 30 ـ 31 ـ 32 ] 3- ألا يتخذ حكما سواه : أيها الأخوة الأكارم ؛ ومن لوازم التوحيد أيضا ، أن لا يتخذ الإنسان غير الله حكما ، يطيعه كما يطيع الله . ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ﴾ [ سورة الأنعام : 114 ] ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [ سورة الأحزاب : 36 ]
ثمار التوحيد : أيها الأخوة المشاهدون ؛ من ثمار التوحيد اليانعة : 1- أن التوحيد هو في الواقع تحرير للإنسان من كل عبودية ، إلا لربه الواحد الديان ، الذي خلقه فسواه وكرمه . 2- التوحيد تحرير لعقله من الخرافات والأوهام . 3- التوحيد تحرير لضميره من الخضوع والذل والاستسلام . 4- التوحيد تحرير لحياته من تسلط الأرباب والمتألهين . ومن ثمار التوحيد اليانعة أيضاً : 5- أن التوحيد يعين على تكوين الشخصية المتزنة التي توضحت في الحياة وجهتها وتوحدت غايتها وتحدد طريقها ، فليس لها إلا إله واحد ، تتجه إليه في الخلوة ، والجلوة ، وتدعوه في السراء والضراء ، وتعمل على ما يرضيه ، في الصغيرة والكبيرة ، ففي القرآن : ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [ سورة يوسف : 39 ] وفي آية أخرى : ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [ سورة الزمر : 29 ] ومن ثمار التوحيد أيضاً : 6- أن التوحيد يملئ نفس صاحبه أمناً وطمأنينة فلا تسترد بها المخاوف التي تتسلط على أهل الشرك ، فقد سد الموحد منافذ الخوف التي يفتحها الناس على أنفسهم ، الخوف على الرزق ، والخوف على الأجل ، والخوف على النفس ، والخوف على الأهل والأولاد ، والخوف من الإنس ، والخوف من الجن ، والخوف من الموت ، والخوف من ما بعد الموت . أما المؤمن الصادق ، الموحد فلا يخاف إلا الله ، ولا يخشى إلا الله ، ولهذا تراه أمناً إذا خاف الناس ، مطمئناً إذا قلق الناس هادئاً إذا اضطرب الناس . ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [ سورة الأنعام : 81 ـ 82 ] وقال تعالى : ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ [ سورة الشعراء : 213 ] يا أيها الأخوة الأكارم ؛ من ثمار التوحيد اليانعة أيضاً : 7- أن التوحيد مصدر لقوة النفس إذ يمنح التوحيد صاحبه ، قوة نفسيةً هائلة ، حيث تمتلئ نفسه من الرجاء بالله تعالى ، والثقة به ، والتوكل عليه ، والرضى بقضائه ، والصبر على بلائه ، والاستغناء به عن خلقه ، فهو راسخ كالجبل ، لا تزحزحه الحوادث ، ولا تزعزعه الكوارث . قال تعالى : ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [ سورة يونس : 107 ] ﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [ سورة هود : 55 ] ومن ثمار التوحيد أيضاً : 8- أن التوحيد أساس الأخوة الإنسانية والمساواة البشرية ؛ لأن الأخوة والمساواة ، لا تتحققان في حياة الناس إذا كان بعضهم أرباباً لبعض ، أما إن كان الناس جميعاً عباداً لله ، والله فوق الخلق فيها وحده ، هو الخالق ، المربي ، المسير ، الرازق هو الحكم ، إليه المصير ، عندئذٍ تتحقق المساواة بين الناس ، ويأتلف بعضهم بعضاً . وهذه بعض ثمار التوحيد ، وقد قيل : ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد . وقيل أيضاً : نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى . أيها الأخوة الأكارم ؛ أرجو أن تكونوا قد أفتم من موضوع التوحيد ، وشكرا لإصغائكم ، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته